في الأيام القليلة الماضية، رصد مكتب إحصاء العمل تضخماً أكبر بكثير مما توقع أي أحد. والتضخميون- وهم أشخاص يتوقعون دوماً ارتفاعاً كبيراً في الأسعار ويَثبت دائماً أنهم على خطأ- انتهزوا الأنباء باعتبارها دليلاً على أن تحذيراتهم واقعية. لكن أسواق المال تعاملت مع الأمر بهدوء. فقد انخفضت الأسهم بسبب التقرير، لكنها عوضت بعد فترة قصيرة معظم الخسائر. وعائدات السندات ارتفعت قليلاً بناء على الأنباء ثم أنهت الأسبوع في المكان الذي بدأت فيه، أي منخفضة بشدة. فما سبب ضعف رد الفعل على أنباء التضخم؟ يتعلق جزء من الإجابة بأنه ما أن يمتلك المستثمرون الوقت لهضم التفاصيل، فإنهم يدركون أنه لا يوجد إلا القليل من الأدلة على صعود في التضخم الأساسي، فهذا ليس إلا اضطراباً عابراً يعكس ما قد يكون صعوداً لمرة واحدة في أسعار السيارات المستعملة وغرف الفنادق. 
وفيما يتجاوز هذا، فالأمر يتعلق بما اعتقد أنه إدراك أننا، رغم ما حققناه من نجاح كبير وشبه إعجازي في هزيمة كوفيد-19، سنواجه على الأرجح بيئة لأسعار الفائدة المنخفضة المستدامة نتيجة الطلب الضعيف على الاستثمار، بمجرد انحسار الجائحة. وأكبر سبب لهذا هو أن بيئة سعر الفائدة المنخفض تساهم في تقليص الخصوبة مما ينطوي على نمو بطيء بل وسلبي في عدد الأميركيين الذين في سن العمل. وهذه ليست قضية جديدة. فقد رصد تقرير تعداد السكان الشهر الماضي أدنى نمو سكاني أميركي منذ ثلاثينيات القرن الماضي مما يؤكد بالفعل ما يعرفه كل شخص يدرس الموضوع. وأميركا متأخرة نسبياً في الانضمام إلى هذا التوجه. فالسكان في سن العمل في اليابان يتقلصون منذ منتصف التسعينيات. ومنطقة اليورو تعيش هذا التوجه النزولي منذ عام 2009. وحتى الصين بدأت تبدو مثل اليابان بسبب تاريخها في تبني سياسة الطفل الواحد. 
فهل ركود النمو السكاني أو تراجعه مشكلة اقتصادية كبيرة؟ لا يتعين أن يكون الأمر هكذا. وفي عالم من الموارد المحدودة ومشكلات بيئية كبيرة، يتعين تأييد تقليص الضغط السكاني. لكننا نحتاج إلى التفكير في السياسة بشكل مختلف في اقتصاد ثابت السكان عن تفكيرنا في الأيام التي كان فيها أطفال الطفرة الولادية (مواليد الفترة من 1946 إلى 1964) يعززون سريعاً قوة العمل المحتملة. ودعني اعترف أن هناك حقيقة واحدة وهي أن شيخوخة السكان تعني عدداً أقل من العمال في مقابل المتقاعدين، وهو ما يثير بعض المشكلات المالية لكن هذه المشكلات يجري المبالغة فيها عادة. هل تتذكر الخوف الشديد من عدم قدرة صمود التأمين الاجتماعي أمام عبء تقاعد جيل الطفرة الولادية؟ فقد تقاعد كثيرون من أبناء جيل الطفرة الولادية، وبحلول عام 2025 سيكون قد حدث معظم النمو في عدد المستفيدين من التأمين الاجتماعي مقابل كل عامل بسبب تقاعد جيل الطفرة الولادية. ولا يوجد أزمة بعد. 
لكن هناك قضية أخرى تتعلق بانخفاض النمو السكاني. فمن أجل استمرار توظيف كامل للأيدي العاملة، يتعين على اقتصاد السوق إقناع الأنشطة الاقتصادية باستثمار كل الأموال التي تريد الأسر ادخارها. لكن كثيراً من طلب الاستثمار يحركه نمو السكان، لأن الأسر الجديدة تحتاج إلى منازل مقامة حديثاً والعمال الجدد يحتاجون إلى إقامة مبانٍ إدارية جديدة ومصانع جديدة وهكذا. ولذا فانخفاض نمو السكان قد يتسبب في ضعف إنفاق متواصل وهي ظاهرة شخصها الاقتصادي ألفين هانسن عام 1938 ووصفها بمصطلح «الركود العلماني». والمصطلح والمفهوم أحياهما في الآونة الأخيرة لاري سامرز، وزير الخزانة الأميركية السابق، واعتقد أنه محق في هذه القضية. 

الركود العلماني قد يكون مشكلة لأنه إذا كانت معدلات الفائدة منخفضة للغاية حتى في أوقات الرخاء، فلا يوجد مساحة كبيرة للاحتياط الاتحادي كي يقلص سعر الفائدة أثناء نوبات الركود. لكن العالم الذي ينخفض فيه سعر الفائدة يمكنه أيضاً تقديم فرص سياسية أساسية إذا كنا مستعدين للتفكير بوضوح. وما نراه حالياً هو عالم مترع بالمدخرات دون توجيهها إلى مكان معين. فالأسر تريد إقراض المال، لكن الأنشطة الاقتصادية لا ترى فرصاً استثمارية مغرية في جودتها. وعملة البتكوين لا تُحتسب في هذا الشأن. فلما لا يتم ضخ المال ليخدم الصالح العام؟ فلماذا لا نقرض بسعر منخفض ونستخدم الأموال لإعادة بناء بنيتنا التحتية المتهالكة ونستثمر في الصحة والتعليم والأطفال وغيرها؟ وهذا سيكون جيداً لمجتمعنا وللمستقبل وسيوفر أيضاً قوة دعم تخفف حدة وقع الركود في المستقبل. 

وقد يسأل سائل: ماذا عن عبء الديون؟ صحيح أن الدين الاتحادي كنسبة من الإنتاج المحلي الإجمالي أكبر مما كان عليه عام 1990، لكن مدفوعات سعر الفائدة على الدين تبلغ النصف فقط. وهذا ما يفعله انخفاض كلفة الإقراض، وهو منتج ثانوي إلى حد كبير للركود الديموغرافي. فهل مقترحات إدارة بايدن في البنية التحتية والأسر من تلك الأمور التي أفكر فيها؟ إنها خطوة مرضية في الاتجاه الصحيح. لكنها ليست طموحاً كما يجري تصويرها ومسرفة في توخيها المسؤولية المالية. فالإدارة مسرفة في قلقها من تغطية هذه الخطط. والحقيقة هي أننا سنعيش لفترة طويلة في ظل نمو سكاني منخفض للغاية. ويتعين علينا أن نفكر بشأن سياسة اقتصادية تأخذ هذا في الاعتبار. 

* أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/05/17/opinion/low-population-growth-economy-inflation.html