يسعى المجتمع الدولي والوسطاء الدوليون إلى ترسيخ الهدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد أسبوعين من اندلاع إحدى أشرس دورات العنف التي شهدتها المنطقة بدءا من 11 مايو الجاري، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي أول بيان له بشأن النزاع مشيداً بالوسطاء وداعياً إلى «الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار».

وشدد البيان الصادر يوم السبت الماضي على الحاجة الفورية لتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين الفلسطينيين. لقد سلطت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية الأضواء على الجانب الإنساني للصراع، سواء بالنسبة للأوضاع في غزة أو في المدن الإسرائيلية المحاذية لخطوط التماس، وطُرحت من جديد مسألة الخطوة التالية للهدنة الحالية.

ولعله من المهم استغلال الفرصة السانحة الآن بالمنطقة لوضع مشروع يحقق السلام والمصالحة بين الفلسطينيين بما في ذلك الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وبما يحقق السلام الشامل والدائم والاستفادة من الأوضاع الراهنة التي تمر بها المنطقة والمعطيات المتاحة. فعلى صعيد المجتمع الدولي توجد قناعة لدى جميع الأطراف بأن مرحلة الحروب والصراعات لابد أن يتم تجاوزها وأن يتدخل المجتمع الدولي لخلق فرص للسلام ومن ثم للتعاون بين جميع الأطراف لتحقيق الأمن والتنمية. 
الاستثمار في السلام يعني الانطلاق من الحقائق على الأرض، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان قطاع غزة يبلغ حوالي مليوني نسمة يعتمد حوالي 80 في المئة منهم على المساعدات الدولية، ويعتمد حوالي مليون شخص على المساعدات الغذائية اليومية. فيما يبلغ طول القطاع 41 كيلومترا وعرضه 10 كيلومترات، تتمتع غزة بواحدة من أعلى الكثافات السكانية في العالم.

ووفقاً للأمم المتحدة يعيش ما يقرب من 600 ألف لاجئ في غزة في 8 مخيمات مكتظة. نسبة 65 في المئة من سكان القطاع هم شباب دون سن الـ25، لكن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب يرتفع معدلات الإحباط واليأس.
ومنذ وصول حركة «حماس» إلى الحكم في غزة عام 2007 ظلت حدود القطاع مع مصر مغلقة تقريباً، وفرضت العام الماضي قيوداً إضافية لمحاولة الحد من انتشار فيروس كورونا. وفي عام 2014 خاضت «حماس» وإسرائيل صراعاً عسكرياً قصيراً ومن ثم أقامت الأخيرة منطقة عازلة على طول الحدود لحماية نفسها من الهجمات الصاروخية وتسلل المسلحين.

لذلك تعد غزة منطقة شبه محاصرة يحدها البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ومصر.
وبالنظر إلى الأرقام السابقة وحقيقة أن أيا من الحروب أو العمليات العسكرية السابقة لم تستطع حسم الصراع، كما أن مشروعات السلام الشرق أوسطية السابقة لم توفق في تحقيق السلام والتنمية وإن أوقفت الصراع المسلح مؤقتاً، في حين ظلت كل أشكال التوتر والرفض والعزلة والتأزيم قائمة ومتجذرة، وعجزت جميع المبادرات رغم تعددها وتنوعها وتجددها وابتكاراتها عن إحداث اختراق حقيقي في جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لذا تقتضي التطورات الحالية في ظل التصعيد ومحاولات التهدئة والزخم الإعلامي طرح رؤية تستند إلى تعزيز مقومات السلام، فبدلا من توجيه الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية لطاقاتها ومواردها في الصراعات المسلحة والأنشطة العسكرية في ظل المعادلات الصفرية التي لا تحقق لها إلا مزيداً من الدمار والمعاناة الإنسانية، ينبغي أن تركز خطط السلام الدائم والعادل على الاستثمار في السلام بتقديم خيارات ممكنة ومقبولة لتحقيق السلام والمصالحة والتنمية.

*كاتبة إماراتية