ما هو شكل الوضع العادي الجديد في عالم، حيث بعض الأشخاص ملقحون وبعض الأشخاص غير ملقحين؟ أحد الأجوبة على هذا السؤال قد يوجد في بلدان تمكنت من السيطرة على عدوى كوفيد- 19 وتعود تدريجياً إلى الحياة العادية حتى قبل استخدام اللقاحات – مثل نيوزيلندا وأستراليا وتايوان وبلدي سنغافورة، حيث قضيتُ الخمسة أسابيع الماضية. 
فمنذ مارس الماضي، فرضت سنغافورة قواعد حجر صحي صارمة، تنص على أن يقضي كل المسافرين القادمين إلى البلد، بمن فيهم المواطنون، فترة حجر صحي، في الغالب في فنادق لـ14 يوماً. وبعيد ذلك، فرضت إغلاقاً عاماً شمل إغلاق أماكن العمل غير الأساسية والمدارس وتقييد التجمعات. ومع تقلص عدد الإصابات في المجتمع، بدأت الحكومة إرخاء بعض الإجراءات، إذ سمحت لأماكن العمل باستقبال موظفيها من جديد بطاقة محدودة، وللمدارس والمراكز التجارية والفضاءات العامة الأخرى بالعمل، مع الالتزام بتدابير احتياطية.
سنغافورة تشهد الآن عدداً صغيراً فقط من حالات كوفيد- 19 المنقولة محلياً كل شهر. ومع أنه كانت هناك عدة حالات تفش للفيروس في المرافق المزدحمة التي تأوي عمالاً مهاجرين، إلا أنه لم تسجل خلال الأسبوع الماضي سوى 11 حالة إيجابية تم إيجادها خارج الحجر الصحي. وفي المجموع، توفي 30 شخصاً فقط جراء فيروس كورونا في سنغافورة. 
غير أن البلد لم يسمح لنفسه بالتراخي. وعلى الرغم من إعطاء أكثر من مليوني جرعة لقاح لسكان يبلغ عددهم أقل من 6 ملايين نسمة، إلا أن الوباء يؤثر على كل مناحي الحياة اليومية تقريباً. 
فمنذ بداية الوباء، اعتمدت الحكومة تطبيقاً هاتفياً لتعقب المخالطين. 

فمن أجل دخول بناية أو مكان مزدحم، يجب على كل شخص مسح رمز الاستجابة السريعة لـ«الدخول الآمن» بهاتفه من أجل «تسجيل الدخول» و«تسجيل الانصراف» حينما يخرج. وهناك مساعدون يقفون بالقرب من كل مدخل لمساعدة من ليست لديهم هواتف ذكية والتأكد من أن الناس يتّبعون التعليمات، ولكنني لم أر أحداً يعترض على هذه العملية أو يتمرد عليها، وهي تستغرق في العادة بضع ثوانٍ فقط. وفي المراكز التجارية، يوجد لدى كل متجر رمز استجابة سرية خاص به، ويوجد عند كل مدخل مقياس لقياس درجة الحرارة ومحطة تعقيم. 

والناس ملزمون بارتداء كمامات خارج بيوتهم، مع بعض الاستثناءات، مثل إعفاء مزاولي الرياضة منها.
هذه التدابير الاحتياطية سمحت لسكان سنغافورة بالاستمرار في المشاركة في أنشطة قد تبدو مستحيلة - أو على الأقل غير حكيمة – في الولايات المتحدة. فقاعات السينما مفتوحة، ولكن مع قياس درجة الحرارة، ورمز استجابة سريعة لكل قاعة، وحرص على تطبيق التباعد الجسدي في الجلوس. وردهات الطعام تواصل جذب الحشود من أجل الأكل في الداخل، وقد وُظف آلاف «سفراء ترك مسافة الأمان» لتذكير الزبائن باتباع القواعد. 
غير أنه على غرار كل البلدان، عانت سنغافورة من تأثيرات الجائحة. فحينما هبطت في سنغافورة في مارس الماضي، كان فضاء البيع بالتجزئة في مطار شانغي، الذي يعج بالحركة عادة، مظلماً ومهجوراً. وقد عمدت شركة «الخطوط الجوية السنغافورية»، التي توجد في قلب وضع البلد كقطب للسفر، إلى تسريح نحو 20% من موظفيها، بل وباعت تجارب تناول الطعام أثناء الرحلة للسكان المحليين التواقين للسفر. 
والواقع أنك أينما وليت وجهك تجد علامات الواقع الجديد، ولكن ينقص عنصر واحد: الخوف. فنظراً لأن عدد حالات الإصابة في سنغافورة جد منخفض، يستطيع السكان مواصلة حيواتهم دون خوف كبير من الإصابة بالفيروس أو نشره.
والحق أنه لا يوجد بلد لديه رد مثالي، واستراتيجية سنغافورة لا تخلو من نقائص خاصة بها. كما أنه لا يمكن استنساخها بسهولة في أماكن أخرى.
سنغافورة تستفيد من خصائص تميزها مثل عدد السكان الصغير وطبيعتهم الطيّعة. كما أن وضعها كجزيرة سمح لها بإغلاق الحدود بفعالية. ولكن السنغافوريين فهموا شيئاً مهماً بشأن الوباء من البداية: أنه للوصول إلى نوع من الحياة العادية، سيتعين علينا أن نتخلى عن حلم العودة كلياً إلى الحياة الطبيعية، على الأقل إلى حين تلقيح الجميع. وكان من الواضح أن البديل، في غابة حضرية ذات كثافة سكانية عالية وكبيرة في السن، سيكون مدمّراً. وهذا الموقف هو الذي أبقانا آمنين – ولا شك أنه ينطوي على دروس للعالم.
ورغم تزايد عمليات التلقيح، فإن الحكومة لا تنوي التخلي عن سياسات الحجر الصحي وتعقب المخالطين بعد، رغم أنها تجري محادثات حالياً من أجل خلق «فقاعات سفر» مع بلدان أخرى منخفضة المخاطر. وهكذا، تُظهر سنغافورة أنه من الممكن إيجاد أرضية وسط بين الإغلاقات والتهور – وأنه من المهم ألا نتخلى عن حذرنا حين ينخفض عدد الإصابات ونبدأ في الشعور بالأمان، وخاصة في ظل ظهور أنواع متحورة جديدة. ولكن بعد عام من الارتباك والتخبط، هل يستوعب الناس الدرس؟ 

*صحافية سنغافورية وكاتبة في «واشنطن بوست»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»