جاءت أحداث الأسبوعين الماضيين في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراع العسكري بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة والاحتجاجات المدنية وبعض المواجهات العنيفة التي شهدتها القدس الشرقية وعدد من مدن الضفة الغربية.. لتشير إلى أن هناك الكثير مما يتعين القيام به من أجل التوصل إلى حل مقبول لهذا الصراع المزمن والمعقد. وفي هذه المرحلة تحديداً، يبدو أن أياً من طرفي المواجهة الحالية (إسرائيل و«حماس») ليس مستعداً لقبول وقف إطلاق النار، بغض النظر عن الإمكانية شبه المعدومة للوصول إلى اتفاقات سياسية بنّاءة.
والحقيقة هي أنه لا إسرائيل ولا «حماس» ترى أي منهما أنه من مصلحتها إنهاء المواجهات وأعمال العنف الحالية ما لم يصبح الضغط من حلفائها وأصدقائها ساحقاً. حدث هذا في الماضي عندما أصبحت الصور المرئية للحرب حيةً ووحشيةً لدرجة أن الاحتجاجات الدولية تجبر كلا الجانبين على الموافقة على قبول وقف لإطلاق النار.
ولعل القضية الأساسية هي أن إسرائيل ليس لديها استراتيجية طويلة المدى للتوصل إلى حل للأزمة الفلسطينية، وقد فضلت، بدلاً من ذلك، الاكتفاء بوقف لإطلاق النار يتجدد بعد كل دورة عنف في المواجهات المتجددة. وكان هذا النهج ناجحاً بشكل عام حتى نشب القتال الأخير. لقد قبلت إسرائيل بواقع سيطرة «حماس» على قطاع غزة، ومنحت مواطني القطاع وصولاً محدوداً إلى العالم الخارجي. وفي المقابل، امتنعت «حماس» عن العنف العلني ضد إسرائيل في الوقت الذي كانت تقوم فيه ببناء قدرتها العسكرية. وفي ظل هذه الظروف، استطاعت الادعاء بأنها القائد الحقيقي للحركة الفلسطينية وليس السلطة الوطنية الفلسطينية أو حركة «فتح» برئاسة الرئيس محمود عباس. وبسبب هذا الترتيب المتفق عليه ضمنياً، تمكّنت إسرائيل من تجنب الانخراط في مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية، بما تنطوي عليه المفاوضات من قضايا معقدة وحساسة للغاية تتعلق بترسيم الحدود وحق الفلسطينيين في المطالبة بتعويضات عن خسارة الأراضي والممتلكات خلال حرب عام 1948.
كان الفشل في معالجة المسائل الأساسية في أصل الصراع نعمة قصيرة المدى لكل من إسرائيل و«حماس»، لكنه كان يعني إطالة عمر الصراع بدلاً من إيجاد حل لإنهائه. وقد كتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق «ألون بينكوس» في صحيفة «هآرتس»، يوم 16 مايو الجاري، أن إسرائيل لم تكن لديها «نهاية للعبة» في التعامل مع «حماس»، وكتب يقول: «لا توجد استراتيجية تعني عدم وجود دافع سياسي لدخول الصراع وعدم وجود نتيجة سياسية محددة ومرغوبة للخروج منه». فإسرائيل لا ترغب في غزو قطاع غزة واحتلاله، و«حماس» مستعدة لتحمل خسائر كبيرة بين المدنيين حتى تتمكن من إظهار قدرتها على إيذاء إسرائيل، ولكن ليس تهديدها بشكل خطير.
وأظهر الصراع العسكري أنه في حين أن الجيش الأكثر تجهيزاً في المنطقة قادر على إسقاط الصواريخ المنطلقة من غزة وتدمير المباني الشاهقة فيها، فإن هذا ليس ضماناً على أن نفس مستويات الدفاع ستكون ممكنة إذا اندلعت حرب على الجبهة الشمالية مع «حزب الله».


ومما يثير قلقاً بنفس القدر بالنسبة لإسرائيل هو انتفاضات الفلسطينيين الإسرائيليين أو فلسطينيي «الخط الأخضر» (الداخل الإسرائيلي)، والتي أضافت بعداً جديداً ومخيفاً للصراع لا يمكن حله من خلال مجرد «وقف إطلاق النار» مع «حماس».
وبينما شهدت علاقات إسرائيل مع الدول العربية الرئيسية تحسناً كبيراً خلال الأعوام الماضية، فإنها تواجه الآن انتقادات تشمل أعداداً متزايدة من القادة «الديمقراطيين» وأعضاء الجالية اليهودية الأميركية الذين كانوا لسنوات عديدة معادين لحكومات بنيامين نتنياهو اليمينية.
وتأتي هذه الأزمة في وقت سيئ بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن التي تركز على السياسات المحلية والمبادرات الدبلوماسية الجديدة لمواجهة الصين وروسيا والتعامل معهما في العديد من القضايا المهمة في أوروبا وآسيا.
لكن، شئنا أم أبينا، لا توجد طريقة يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب بها الانخراط في جهود إعادة بدء «عملية سلام» الشرق الأوسط الفلسطينية الإسرائيلية المحتضرة.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست»