عملت في المجال الإعلامي بصفة رسمية عام 1997، وبصفة غير رسمية منذ عام 1981، وإلى الآن، واصلت في هذا القطاع، منذ أن كان الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، المسؤول المباشر عنه منذ نهضة دبي، وقد نهض بالإعلام معه بصورة متدرجة بعيدة عن الطفرات والقفزات السريعة.
وفي يوم تعييني بمؤسسة البيان للصحافة والنشر والتوزيع، أذكر أنني سألت المدير العام ورئيس التحرير آنذاك عن مدى التدخل من المسؤولين في العمل الإعلامي، فأجاب بأنه طوال فترة عمله لم يتلق كلمة واحدة من أحدهم يوجهه بأن افعل هذا ولا تفعل ذاك.
لقد اطمأن قلبي وراق بالي، لأنني أستطيع أداء دوري في المؤسسة كما ينبغي، وخاصة وقد كُلفت فيها بكتابة زاوية يومية بعد ما رفضت ابتداء، نظراً لصعوبة ممارسة النقد بصفة يومية، وكذلك الحصول على فكرة جديدة كل يوم، ولكن رئيس التحرير كان خير عون لي على تجاوز مرحلة الرفض والتردد؛ لأنه كان يعرف مسبقاً بأني كنت أكتب في بعض الصحف والمجلات منذ زمن طويل.
 الجزء الأصعب الذي وسِع له صدر الشيخ حمدان لتقبله النقد أو الرأي الآخر، هو أن ذات الإعلام يوجه النقد الذاتي لمؤسسات يرأسها، وعلى رأسها دائرة إعلام دبي ودائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية ودائرة الصحة والبلدية، هذه المؤسسات التي تتعامل مع جمهور عريض، يستحيل على الإعلام تجاوز ملاحظات الناس عن أدائها.
وهذا القبول يدل على فكر منفتح وراق، وهو إرث أصيل خاص بآل مكتوم منذ زمن جدهم الشيخ سعيد ووالدهم الشيخ راشد، وانتقل ذلك الإرث إلى جميع الأبناء الكرام بلا استثناء، وكان أجدادنا يسمعون الرأي المخالف قبل زمن الإعلام في مجالس الشيوخ بلا تحفظ، ثم انتشر ذلك النهج في كافة وسائل الإعلام المتغيرة والمتطورة.
لقد مارست النقد للإعلام والصحة والأوقاف والبلدية دون حرج، ولم يضايق ذلك الشيخ حمدان بن راشد، وكنت ألتقي به وكذلك الشيخ حشر الذي يعد آنذاك الرجل الثاني بعد حمدان في المسؤولية عن الإعلام دون أن يعلق أحدهم على أي موضوع، وأن يأمروا أحد الكتاب بالتوقف عن الكتابة لأنه عبر عن رأي يخالف توجه المؤسسة المُنتقدة.
وكان يضيق صدر بعض مسؤولي هذه المؤسسات، وأحياناً المعترض قد يكون موظفاً في العلاقات العامة لا يجيد كيفية التعامل مع الانتقادات التي الهدف منها تجويد العمل وليس تفتيته.
الشيخ حمدان، رحمه الله، كان يعي جيداً الفرق بين النقد البناء المبني على معلومات وحقائق، والنقد الذي يشتم من ورائه رائحة النقمة والفتنة، أوخلق جوٍ من الفوضى والتشويش على عمل المؤسسات التي تجتهد في البناء والناقد الذي يساهم في الهدم.
لقد كان للشيخ حمدان آراؤه الخاصة في انتقاد بعض القضايا الرياضية وكانت الصحافة المحلية تتنافس في نشرها، وكان افتتاحيات وزوايا الصحف المحلية فرصة للتنفيس عن المكنون في المجال الرياضي، مثل مواضيع الميزانيات المهدرة دون كسب نتائج معتبرة، وقضية اللاعب الأجنبي والاحتراف وكذلك المدرب المواطن والأجنبي والتجنيس، وفي مجال الفروسية ما يتعلق بحقن الخيول أثناء المسابقات المتعددة في العالم بالمنشطات.
لقد أثرت آراء الشيخ حمدان الساحة الرياضية بالدولة وعقدت على إثرها لقاءات وحوارات تلفزيونية مع سموه، يستطيع أحدنا أن يعود إليها متى شاء ويعرف عمق نظرته الصائبة في ما تمت مناقشته على كل المستويات.هذا كان منطلقنا في إعلام دبي وهو القناعة الراسخة لدى الشيخ حمدان بن راشد، ولم نتنح عن دربه حتى بعد غيابه، رحمة الله عليه.
* كاتب إماراتي