قيل إنه سوف يتوارى خلف حجب، أو سيذهب إلى حيث تكمن غمامات السحب، ولكنه الجليس الأنيس، يرفض كل تلك التنبؤات، ويدحض كل تلك الخرافات، ويمسح عن جفنيه ذبول السغب، ليبرز كأنه اللهب، يذهب في وجدان عشاق القراءة، متفشياً بمشاعر العشق وأبدية التساقي، ينهض الكتاب وبين دفتيه تلاوة، وحرز، وتميمة التحدي، مظهراً تألقه وتدفقه، وشهقة دهشته، حيث اللميع على غلافه يثري، ويغري، ويسري في وجدان العشاق كما هو الدم في عروق المدنفين، الغارقين في طويات الأحلام الزاهية، كما هو النسيم في ثنايا العابقين بعبير التاريخ، وما طوته الأيام من حلم ترعرع، وتربع على عرش القراءة.
الكتاب، وهو يتهفهف بوريقاته الشفيفة، إنما هو شجرة الخلود التي وإن توالت الأزمان يبقى ساقها في السماء، وجذرها في الأرض، مغروساً في وجدان الناس الذين نشأوا على رائحة الحبر وهو يتسرب في الشرايين كأنه الجدول وهو يسري في نخاع العشب، منتمياً إلى وحدة الوجود ومن دون توار خلف مصطلحات تتجاوز حدود العلاقة ما بين الإنسان وحصب تنوره، وتدفقه، في الحياة كأنه الوجد الأزلي في سجايا الصحراء كأنه السر في أتون التراب المجلل بأحلام البقاء من دون تصهد.
في معرض الكتاب المزمع عقدة في هذا الشهر، سوف نشهد ذلك التدفق البشري التواق إلى كلمة كالقنديل تضيء طريقه إلى ملمات الحياة، فتزهيها، وتمنحها الضوء، وتهديها ركاب السفر إلى غايات الفرح.
الكتاب المنتظر هو رقية العارفين، وما تبدى لسقراط، من نبوءات حول ما تفعله المعرفة في الأشجان، والوجدان، وحول ما يتبوأه الكتاب من منصة تجعل قارئه مصباحاً منيراً، وقاموساً محيطاً، ومختار صحاح، تجعله في الزمان موجة تمشط السواحل بالبياض، وتغسل قمصان القواقع بالمح، تجعله سحابة تبلل ريق التراب، وتومض عند شفتي الحياة، تجعله عنواناً زاهياً، بهياً، ندياً، يسرق الضوء من الشمس ليهديه لقارئ فذ نجيب مخلص صادق محب للضوء عاشق للفرح، مولع بتاريخ الكلمة، وجغرافيا التفاصيل، وأيديولوجيا الوجد البشري.
الكتاب، وهو يقف صفوفاً كالعناقيد، إنما هو يرسم صورة الأبجدية في قاموس الحياة، ويصيغ حروف الهجاء على نمط دقات قلب عاشقات مسهبات في الوله، إلى عيون ترمق الكلمة، فتعشبها، وتمنحها البريق.