في لبنان بدأت إيران خطواتها بـ «تانكي الحسين» خزان ماء سبيل في أحياء بسيطة وقرى فقيرة، وبدأت بتكليف محامين لحل قضايا كانت تعدها إنسانية؛ أُم لديها سبعة أولاد، وقضاياها في المحكمة، وفي زمن المحسوبية، وتعطل حياة عائلة ومستقبلها، فجأة بعد تدخل الأصابع ذات الخواتم المزينة بالأحجار الكريمة تحل تلك القضية التي ظلت سنوات في شهر، ولا تكتفي بذلك، بل يتم توفير سبل العيش لها، لم يكن القصد الأم، القصد كان كسب قلوب الشباب السبعة نحو اللاعبة الأجنبية الجديدة، ونحو توجهها الإيديولوجي الثورجي، علمتهم ووجهتهم وأرشدتهم، وربما زوجتهم، فالانفجار الديموغرافي جزء من خطة التواجد والسيطرة في البلد النائم أو المخرب، أو الذي يعمه الفساد، صرفت الأموال لهم، واستغلت طاقتهم في تحقيق مآربها، وحروبها الإيديولوجية، مثل قصة تلك الأم وأولادها، تكررت في كل أرجاء لبنان، مرة بسبب المقاومة الوطنية، وقضية فلسطين والطريق إلى القدس، ومرة بدافع النصرة الطائفية، وإعادة توازن القوى الطائفية في لبنان المنهك على الصُعد كافة، ومرة أخرى بدافع دعم دول الجوار، وبالذات الشقيقة الكبرى، تمكنت من خلال ذراعها العسكرية والتنظيمية أن تمسك بزمام المبادرة والتأثير، وأن تتحكم بالمنافذ في لبنان، كيف صار لبنان الآن في ظل سيطرة إيران؟
في العراق قدّرت إيران أن تدخله في ظل الانهيار والغزو الأميركي، وما لم تستطع الحصول عليه خلال حرب العشر سنوات، أخذته بل سُلّم لها في ظل سنة واحدة، ولا أعرف حين ترتفع صور المرشد الإيراني وصور الخميني على مرجعية النجف الأشرف، ماذا يمكن أن تعني؟ مثلما لا أجد مبرراً أن ترفع تلك الصور على مبنى البرلمان العراقي الذي يفترض أنه منتخب من الشعب، دخلت إيران أرض السواد فحالتها إلى رماد، ومخدرات، وارتهانات سياسية، وميليشيات بأسماء العُترة الطاهرة، ومسكت بزمام القيادة السياسية والإدارية والأمنية في العراق، أين صار العراق الآن في ظل تواجد وسيطرة إيران؟
إذا كان معقل العروبة بغداد قد احتُل من إيران، فكيف لا تكون قلعة العروبة وآخر خنادقها دمشق بعيدة عن مرمى التوجه الإيراني، دمشق اتشحت بالسواد، وغزتها المدارس «الدينية- الطائفية»، واللغة الفارسية صارت لها معاهدها ومدارسها، وحضورها في السوق والحياة، وعند جيل جديد صنعته الحروب المتفرقة والعبثية، تحولت أحياء جديدة برمتها إلى أحياء إيرانية بكل تفاصيلها وبضائعها وطقوسها الدينية والاجتماعية، أين دمشق المتوارية خلف عروبتها الآن بعد الحضور القوي فيها لإيران؟
وآخر العواصم العربية «المعجمة» صنعاء، بدأت بطالب ابتعث إلى «قم»، ورجع بعد أن تم إعادة تأهيله، وتقويمه على المذهب الاثني عشري، وتلغيمه بالمال الوفير الذي يمكن أن يصنع الفرق في بلد فقير مثل اليمن، وبالكتب الجديدة، وبالموروث الطقسي الصفوي، وبحزمة مشاريع أفرحت الحكومة اليمنية حينها، لأنها لم تكن تعمل غير الفساد، ولا تعرف غير «السليط»، أي الزيت باللهجة اليمنية، و«حق بن هادي» وكلاهما لا تعنيان غير الرشوة عند اليمني، وفي ظل سنوات من تلك النار الخامدة تحت الرماد، انبعث الحوثي بمخالبه الإيرانية ينهش في الدولة الهزيلة، وفي مرافقها الهشة، حتى تمكن بعدما كان متمسكناً، وتجلى بعد ما كان متخفيّاً، أين اليمن الآن في وجود نعيق إيران؟