الأحداث الساخنة معلمٌ قاسٍ للواقعية والعقلانية، من يستطيع تدريب عقله ونفسه عليها في سخونة الأحداث، يسهل عليه تحويلها إلى عادةٍ تمنح أفضل الفرص لقراءة الأحداث بأعصابٍ باردةٍ تمكّن من حدّة الوعي وصواب الرؤية.
إسرائيل تهاجم غزة، بالطائرات والصواريخ، والظلم الإسرائيلي لا يُطاق، تجاوز الحدود، والشعب الفلسطيني تحمّل كل أنواع الاضطهاد، بعباراتٍ مثل هذه يتمّ تأجيج مشاعر الناس واستدرار عواطفهم الإنسانية، ومن ثم توجيهها لخدمة أجندة تياراتٍ سياسيةٍ تضرّ بفلسطين والشعب الفلسطيني وتضرّ بالدول العربية ومصالح شعوبها في المنطقة.
هل يمكن ألا نتعاطف مع الفلسطينيين؟ بالتأكيد لا، يجب أن نتعاطف معهم، ولكن ليس التعاطف اللحظي الساخن بسخونة الأحداث الآنية، بل التعاطف الصادق والراسخ، الذي يفتش عن الحلول طويلة الأمد ووضع الإصبع على نقاط الداء المستحكم دون مواربة.
التعاطف الحقيقي مع الشعب الفلسطيني يعني التفتيش عن حلول سلامٍ فعليٍ وعمليٍ يضمن سلامتهم وأمنهم وتنميتهم حاضراً ومستقبلاً، ويضمن كف يد العابثين بكل ذلك خدمةً لأهداف أيديولوجية سياسيةٍ، لا تعني لها فلسطين ولا شعبها أي شيء، وهم مستعدون لحرق فلسطين وشعبها من أجل «الأممية» و«التنظيم الدولي».
حركة «حماس» الإخوانية الإرهابية تجهزت جيداً لهذه الحرب العشوائية، بنت الخنادق ليحتمي فيها عناصرها ويقع القصف على الشعب الفلسطيني المدني والبريء، «حماس» تحب أن يسقط ضحايا وقتلى فلسطينيين حتى تستدر التعاطف العربي والإسلامي والدولي وتحوّله رصيداً سياسياً ومالياً للحركة لا للشعب الفلسطيني.
هذه واحدةٌ، والأخرى هو أن حركة «حماس» تضطهد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بممارساتٍ أبشع بكثير مما كانت تمارسه إسرائيل من قبل، وهي قامت بانقلابٍ دمويٍ ضد السلطة الفلسطينية، ولم تزل تحكم القطاع بالحديد والنار، وهي لا تقيم وزناً لحياة الشعب الفلسطيني ولا تحترم تياراته السياسية والدينية والثقافية، وليس أمام المواطن الفلسطيني سوى الخضوع أو القتل من قبل عناصر «حماس».
يتساءل البعض، هل هذا هو الوقت المناسب لعرض جرائم «حماس» وممارساتها، أم الأفضل الانتظار حتى تنتهي الأزمة؟ وفي نظر كاتب هذه السطور، فهذا تحديداً هو الوقت الأفضل لممارسة الوعي ونشر الواقعية السياسية والعقلانية، لأن الناس ستتذكر جيداً بعد انتهاء الأزمة ما قيل فيها وما كتب أثناءها، وغرض «حماس» من هذه الحرب هو تحديداً إيقاف أي تساؤلاتٍ عن سياساتها الحزبية وولاءاتها السياسية العابرة للحدود لجماعة «الإخوان» وللمشاريع المعادية للعرب دولاً وشعوباً في المنطقة.
فلسطين وقضيتها ليست ملكاً لـ«حماس» وحدها، وهي عاجزة عن حمل هذا الحمل الثقيل دون الدعم العربي والإسلامي والدولي، ومن الخطأ أن من الممكن اختطاف قرار وأولويات كل هذه الدول بمغامراتٍ غير محسوبةٍ، والرهان على أن تكرار ذلك والاستمرار فيه هو الحل الوحيد للضغط على هذه الدول وإحراجها وتخريب خطط تنميتها وبناء مستقبلها.
بإمكان القارئ إجراء بحثٍ سريعٍ في محركات البحث على الإنترنت، وموقع (يوتيوب) حتى يطلع على تفاصيل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها حماس في حق المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، ليكتشف بنفسه وبعيداً عن أي تأثيرات ما الذي يجري فعلياً على الأرض هناك.
الدول العربية والمنظمات العربية والإسلامية كالجامعة العربية ومنظمة «التعاون الإسلامي»، ستقدم دعماً لفلسطين ورفضاً للاعتداءات الإسرائيلية، ولكن الجميع سيتساءل عن الطريقة الأفضل التي يمكن بها إنهاء كل هذه الأزمات، التي يتم خلقها وصناعتها مراراً وتكراراً دون أي فائدةٍ، بل بأضرارٍ جسيمةٍ كبرى، وسيصل الجميع إلى ذلك الحل دون شكٍ.
أخيراً، فمن حق «حماس» أن تخرب بيوتها بأيديها، ولكن ليس من حقها أن تخرب بيوت الفلسطينيين وتستهين بدمائهم ودماء أبنائهم ومستقبل فلسطين.