الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عناية جابر.. وداعاً شاعرة التأمل والفقد والحنين

عناية جابر
15 مايو 2021 00:14

محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

رحلت الشاعرة والأديبة والإعلامية والتشكيلية اللبنانية عناية جابر (1958 - 2021) مساء الثلاثاء 11 مايو الجاري، وقد تركت لنا مجموعة من الدواوين الشعرية: طقوس الظلام، مزاج خاسر، ثم إنني مشغولة، أستعد للعشاء، أمور بسيطة، عروض الحديقة، ساتان أبيض، لا أحد يضيع في بيروت، لا أخوات لي. وقد عبّرت جابر في قصيدتها عن اليومي والعابر في لغةٍ اتسمت بالتقشف ومسحة خافتة، ملتفتة أكثر إلى الصور الفنية والمشهدية وتفاصيل صامتة، مع ميل إلى التأمل والتعبير عن مناخات العزلة في مجموعات متأخرة، كما في قصيدة «فكرتي سوداء طويلة، بأعجوبة ينجو النهار»، كما عرفت بمناخاتها الشعرية التأملية والتعبيرية التي تأخذنا إلى عوالم العزلة والانكسار وأحوال الجسد بعد الاشتياق والحنين، بلغة رومانسية مرهفة وجريئة في آن معاً، فهي الأكثر مهارة في اصطياد التفاصيل، إذ تجرّ اللغة إلى منطقة الإغواء الكامل، وتمنح القصيدة شغف البوح، واستمالة اليومي إلى الإنساني، والعابر إلى لحظة مكوث طاعنة، تلك التي تهذّب الكلام، وتُعيد توصيف البلاغة، وتطلق الشعري خارجها، ليكون أكثر سحرية في علائقه، وهوسه بالتكشُّف والإخفاء، بالصمت والصخب، لاستبانة شروط الكتابة التي تدّل عليها، وتجاهر بها، بوصفها لعبتها الشخصية، ومغامرتها للملمة الجسد المسكون بالتشظي.
بعض أهم ما في مسيرة وتجربة عناية جابر: أنها كتبت في الشأن الثقافي والفني في عدد من الصحف والمجلات العربية، إلى جانب دراستها الغناء وتقديمها العديد من الحفلات الغنائية في دار الأوبر المصرية و«اليونسكو» ومسرح المدينة في بيروت، وفي بلدان أخرى. إنه رحيل خاص واستثنائي لشاعرة تغنّي، تجرّ المعنى إلى لحظتها الشعرية، تشاطرها المفارقة والبوح والغناء، تلمس عبرها رائحة الإنسان المهمش، والأثر، تتأمل العالم عبر هذه المشاطرة الباهية، إذ يكون الغياب هو الصانع الماهر، وهو الخلق التعويضي الذي تستحضره لتعيش لذة بجماليون الأسطورية معه «من الغياب أصنع لكَ تمثالاً/ وعليه أن يستمر/ على هذا الوضع، بينما الغرفةُ تنظر إلى روحي».
وصفت مجلة «دو» السويسرية والمعنية بالشأن الثقافي العربي، والأدب العربي النسائي خاصة، في عددها الصادر في مارس 2007، الراحلة عناية جابر بـ«الظاهرة الأدبية» لأنها تمثل «تيار الواقع»، وترى المجلة أنها مثلها كغيرها من اللبنانيات هجرت القرية بحثاً عن حريتها في المدينة، والخروج عن تقاليد المجتمعات الريفية، على عكس طبيعة الأسرة اللبنانية التي إن ابتعدت وهاجرت يبقى لها موطئ قدم في قريتها التي شبت فيها، وما يميز عناية جابر عن غيرها، حسب المجلة هو أنها تنحدر من أب مسلم وأم مسيحية، لتجمع في تركيبتها الشخصية بين القرية والمدينة، وبين دينين مختلفين، في ظاهرة منفردة بمواجهة الطائفية بأشكالها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©