مباشرةً في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، في الثالث من شهر نوفمبر الماضي، والتي تمخضت عن فوز حاسم لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، شعر كثير من المراقبين بأن قيادة الحزب الجمهوري ستحلل بتروٍ وتأنٍ سبب خسارة اليمين للبيت الأبيض وأن الجمهوريين سيتجاوزون مرحلة ترامب وما لحق بهم من هزيمة في نهايتها. لكن كم كنا جميعاً مخطئين! فقد رفض ترامب قبول نتيجة الانتخابات وزعم أن الاقتراع كان مزوراً عن طريق التلاعب بأوراق التصويت وأنه هو الفائز الحقيقي بالانتخابات الرئاسية. وتقدم هو وأنصاره بكثير من الطعون القانونية، لكن أياً منها لم يصمد أمام الفحص القضائي. ولعب ترامب دوراً محورياً في حشد جموع المحتجين في واشنطن، مما أدى إلى حدوث تمرد واحتلال مقر الكونجرس في السادس من يناير 2021، في اليوم الذي كان يجتمع فيه الكونجرس للتصويت رسمياً على نتيجة الانتخابات. ودفع العنف في ذاك اليوم الديمقراطيين إلى توجيه الاتهام ضد ترامب للمرة الثانية. 
وفي يوم تنصيب الرئيس، في 20 يناير، رفض ترامب، على خلاف الرؤساء السابقين، المشاركة في الحدث التاريخي ورفض الاعتراف ببايدن رئيساً جديداً وذهب محتجاً إلى ناديه في مار آلاجو في ولاية فلوريدا. 
وفي الشهور التالية، تم تقييد دخول ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعي بسبب دوره في عصيان السادس من يناير. فقد مُنع دخوله إلى تويتر وحُظر دخوله مؤقتاً إلى حسابه في فيسبوك. لكن هذا لم يمنعه من إصدار تصريحات بشكل يومي لإذكاء كذبة مفادها أن الانتخابات سُرقت وأنه مازال الرئيس الشرعي. وشن حملة عدائية لمعاقبة 10 جمهوريين في مجلس النواب صوتوا على توجيه الاتهام له وعلى سبعة جمهوريين صوتوا لصالح التخلص منه في جلسة بمجلس الشيوخ. 
وفي ذاك الوقت، قرر عدد كاسح من الجمهوريين في الكونجرس وفي إدارات الولايات دعم حجة ترامب بأن الانتخابات سُرقت رغم الأدلة والقرارات القضائية المتعددة التي تؤكد نزاهة الانتخابات وفوز بايدن. وبعبارة أخرى، قررت غالبية الحزب الجمهوري قبول افتراض أن بايدن ليس رئيساً شرعياً رغم أن كثيرين منهم، بل معظمهم في الواقع، يعلمون أن ترامب خسر الانتخابات. 
والمعضلة التي يواجهها الديمقراطيون هي أنهم إذا تحدوا ترامب والحكمة الجديدة المقبولة في الحزب، فسيجري تحديهم في الانتخابات التمهيدية القادمة، وربما يخسرون مقاعدهم لصالح متطرفين. وتقاعس الحزب عن التصدي لترامب والتطور نحو التحول إلى كيان أكثر استيعاباً للتيار العام يقلص احتمالات فوزهم بالناخبين المستقلين وسكان الضواحي الذين أيدوا ترامب عام 2016، لكنهم صوتوا لصالح بايدن عام 2020. 
وخضوع الحزب الجمهوري لأهواء ونزوات رئيس سابق هو تخلٍ مأسوي عن مبادئ حزب إبراهام لنكولن الذي أيّد مبكراً تحرير العبيد وقاتل ضد الفساد الراسخ لدى الديمقراطيين وأثرياء الصناعات في نهاية القرن التاسع عشر. وفي عصر لاحق، قاد الحزب الجمهوري رؤساء معتدلون من يمين الوسط، مثل دوايت ايزنهاور ورونالد ريجان وبوش الأب والابن.. وحتى ريتشارد نيكسون، المشهور أكثر بفضيحة ووترجيت، كان وسطياً نسبياً في القضايا الداخلية والثقافية، حيث تأسست في عهد إدارته وكالة حماية البيئة وتم سن قانون الهواء النظيف. 
وكي تزدهر ديمقراطية وتعمل بكفاءة، يتعين أن يكون هناك حزب حاكم ومعارضة نشطة لها رؤى منافسة قوية لمعالجة القضايا الداخلية والخارجية المعقدة. والحزب الجمهوري الحالي لا يضطلع بهذه المهمة، ما دام ترامب يهيمن على الحزب وقائمة أولوياته. وبالتالي، سيكون من المستحيل وجود معارضة بنّاءة. وهذا يسيء للبلاد ويقوض جوهر الديمقراطية ذاته.