عيدكم مبارك وكل عام وأنتم إلى الله أقرب، وتقبل الله طاعاتكم. ولفراق رمضان غصة في قلوب المؤمنين الصادقين، جاءت فرحة العيد كي تخفف من ألم الوداع. لقد اختتمنا ولله الحمد والمنة رحلة التغيير التي بدأت من شهر، فرمضان مدرسة سلوكية كما يسمى في علم النفس، الهدف منها التغيير نحو الأفضل. وسر هذا التغيير الإيجابي يتلخص في كلمة أقدر، نعم كل إنسان لديه هذه القدرة، لكن البعض يتردد في استخدامها أو يضعف من شأنها، لقد أكرم الله تعالى الإنسان بأهم سمة عن بقية المخلوقات وهي قدرته على صناعة قراراته. فهو من يختار عقيدته، وبناء على ذلك تتحدد عباداته ومنهج سلوكه في الحياة، لقد حمل الإنسان هذه القدرة منذ الأزل، هناك من استخدمها بالطريقة الأفضل وآخرون أساؤوا فهم واستخدام هذه الميزة لديهم، نعم كلمة أقدر ملخص لمسيرة الإنسان في رمضان. 
في آخر أيام الشهر، جمعتني لحظة الفطور بإنسان قرر ألا يشرب المنبهات مثل القهوة والشاي طوال رمضان، وهدفه من ذلك كما قال تنظيف جسمه من السموم، لقد طبق هذا الإنسان «مهارة أقدر»، وصنع لنفسه برنامجاً علاجياً لإدمانه على القهوة وقد نجح. أعرف آخرين قرروا خلال رمضان الماضي الامتناع عن التدخين، وكان قراراً حاسماً في حياتهم، لقد احتفلوا في رمضان هذا العام بمرور سنة على آخر سيجارة في حياتهم، إنها نعمة «أقدر» التي قد يتساهل فيها البعض، لكنها سر أودعه الله تعالى في نفوس كل البشر وهم من يقرر متى وكيف يستخدم هذه الطاقة، التي تُحوّل الإنسان الضعيف المنساق وراء شهواته وغرائزه إلى كائن قوي جداً يستطيع أن يقود رحلة التغيير في حياته نحو الأفضل باستخدام قوة صناعة القرار التي أسميها هنا اختصاراً «أقدر».
ما يجري في مسيرة الإنسان بعد رمضان شأن خاص بكل مسلم، فمنهم من اغتنم نعمة «أقدر» وقاد رحلة التغيير في حياته نحو الأفضل، فقد كان مقصراً في صلاته، لكنه التزم بعد رمضان بالفريضة كحد أنى، كان مدمناً على بعض المحرمات التي تجنبها في رمضان، وصار ذلك ديدنه بعدها، كانت علاقاته ببقية البشر تشوبها سمة العنف والفضاضة، لكنه خلال رمضان تعلم كيف يدير مشاعرة السلبية كالغضب مثلاً، فأضحى بعد رمضان إنساناً آخر يألفه الناس. أمثال هؤلاء من البشر تخرجوا بامتياز في رحلة رمضان الإيمانية وشعارهم رمضان أيام معدودات هو بداية الطاعات والعيد ليس نهايتها.
الصنف الآخر الذي نسي أنه يقدر ورفض استثمار هذه النعمة، فكان ممن يعبد الله في رمضان ويحرم نفسه من هذه النعمة بقية العام وشعاره ليلة العيد: «رمضان ولى هاتها يا ساقي»، إنهم نفر جربوا السعادة، لكن تجربتهم لم تكن صادقة مع أنفسهم، فتخبطوا في دركات الدنيا مرة أخرى، وتناسوا النعمة التي كانوا فيها، والتي شعارها، «أقدر»، مازالت رغبة التغير للأفضل في عقولهم، لكن قلوبهم رافضة لها.