تناول «منتدى الإعلام الإماراتي» في نسخته السادسة التي عقدت قبل أيام واحدة من القضايا المهمة، وهي دور الإعلام الإماراتي أثناء الأزمات، ومدى قدرته على التكيف مع المتغيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم أجمع. وتكمن أهمية هذه القضية بالنظر لطبيعة ومحورية الدور الذي يقوم به الإعلام في إدارة الأزمات في مراحلها المختلفة، خاصة مع الثورة الاتصالية الحديثة، والتي جعلت من الإعلام بشقيه، التقليدي والجديد، أهم أطراف إدارة الأزمات في الداخل، وفي الوقت ذاته أهم أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول والدفاع عن مصالحها في الخارج.
لقد استطاع المشاركون في هذا المنتدى تشخيص التحديات التي تواجه الإعلام الوطني، والصعوبات التي تحول دون تفعيل دوره في إدارة الأزمات، سواء لغياب استراتيجية إعلامية خاصة بالأزمات، أو نتيجة نقص الإعلام المتخصص في بعض المجالات، خصوصاً الإعلام التنموي والعلمي والصحي، والتي تؤثر بصورة واضحة على الكيفية التي يتعامل بها الإعلام مع العديد من القضايا وخاصة في أوقات الأزمات والكوارث. كما خرج هذا المنتدى ببعض التصورات المهمة التي من شأنها تفعيل دور الإعلام الوطني في مواجهة الأزمات، من قبيل الالتزام بالشفافية ونقل الحقائق أولاً بأول، وتوصيل الرسالة الإعلامية بدقة إلى أفراد المجتمع، والتصدي للشائعات التي تجد رواجاً وانتشاراً في أوقات الأزمات.
لا شك أن الإعلام بات أهم أدوات إدارة الأزمات في عالمنا المعاصر، بل إن هناك من يعتبره أهمها على الإطلاق، لأنه قد يشارك في مواجهة الأزمة والعمل على إيجاد حلول لها، وتجاوزها في أسرع وقت ممكن، وفي المقابل قد يسهم في تعقيدها ويكون جزءاً من استمرارها وتفاقمها، أي أن هناك فرقاً بين إعلام يعالج الأزمة وإعلام آخر يدفع في اتجاه استمرارها وتفاقمها، ولهذا فإن الإعلام المسؤول هو الذي يكون شريكاً رئيسياً في إدارة الأزمة، وطرفاً فاعلاً في حلها في كل مراحلها، وخاصة في مرحلة ما بعد الأزمة، وهذه هي رسالة الإعلام الحقيقي الذي لا يكتفي فقط بالتعامل مع الأزمات وإنما استقراء دلالاتها وتداعياتها المختلفة على المجتمع، وكيفية الحيلولة دون تكرارها في المستقبل.

والواقع أن الإعلام الوطني يقدم نموذجاً للإعلام المسؤول الذي يشارك بفاعلية في مواجهة الأزمات ويطرح الحلول غير التقليدية لحلها، فقد كان شريكاً رئيسياً في إدارة الأزمات التي واجهت الإمارات على مدار السنوات الماضية، وأثبت كفاءته في التعامل معها بكل شفافية وموضوعية، ليس فقط فيما يتعلق بدعم الجهود المؤسسية في إدارتها، وإنما أيضاً في التواصل الفاعل مع أفراد المجتمع، وتنمية الشعور لديهم بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في الالتزام بالتعليمات والإرشادات خلال هذه الأزمات بمراحلها المختلفة، والمثال على ذلك الدور الذي قام به الإعلام الوطني – وما يزال - في مواجهة أزمة جائحة كوفيد-19، سواء على صعيد تقديم المعلومات أولاً بأول وبكل شفافية لإظهار الحقائق للمجتمع الإماراتي والدولي، أو على صعيد القيام بدوره التوعوي لأفراد المجتمع من خلال العديد من الفعاليات التي تستهدف وقاية المجتمع، أو من خلال رسائل التضامن مع الدول والمجتمعات التي تعاني من تفشي الفيروس بصورة كبيرة. بل إن أهم ما يميز تعامل الإعلام الإماراتي مع أزمة جائحة كورونا، هو الاستجابة السريعة والمتزنة التي لم تترك فرصة لإطلاق الشائعات المغرضة التي تثير القلق بين أفراد المجتمع، وتوحيد الرسالة من جانب وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرأية، وهو ما أنتج في المحصلة خطاباً إعلامياً فاعلاً مؤثراً يحظى بالمصداقية والموضوعية والمتابعة والقدرة على التأثير في أفراد المجتمع.

وإذا كان الإعلام شريكاً رئيسياً في مسيرة البناء والتنمية منذ نشأة دولة الإمارات، وواكب ما حققته من إنجازات نوعية في مختلف المجالات، وعبر عن أولويات المواطنين في مختلف المجالات التي تمس حياتهم اليومية والمعيشية، وانخرط بشكل فاعل في مواجهة الأزمات والتحديات التي شهدتها الدولة على مدار السنوات الماضية، فإن المرحلة المقبلة، التي تستعد فيها الإمارات للانطلاق إلى مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية للخمسين عاماً المقبلة، تتطلب بالفعل وضع استراتيجية إعلامية خاصة بالأزمات، توضح بشكل دقيق طبيعة الدور الذي يقوم به الإعلام في إدارة الأزمات والكوارث الطارئة في أي من المجالات، وتأخذ في الاعتبار أهمية الانفتاح على الإعلام الخارجي والتأثير في الرأي العام الدولي، وتوضيح رؤى مواقف الدولة تجاه مختلف القضايا والأزمات، وهذا يتطلب مزيداً من الاهتمام بـ«إعلام الأزمات»، باعتباره تخصصاً علمياً له قواعده ونظرياته وأسسه وآلياته واستراتيجيته، التي يتعين على العاملين في الحقل الإعلامي الإلمام بها، من أجل بناء قاعدة من الكوادر المواطنة المتخصصة في الإعلام بجوانبه المختلفة، الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، تكون قادرة على التعامل بكفاءة واحترافية مع أية أزمات طارئة في المستقبل، فضلاً عن القدرة على قراءة التطورات المتسارعة، وتداعياتها المحتملة، الآنية والمستقبلية على دولة الإمارات، وفي الوقت ذاته مواكبة طموحات الإمارات وتطلعاتها المستقبلية في المجالات كافة، ونقل قصة نجاحها للخارج، وإبراز إنجازاتها الحضارية وإسهاماتها في مسيرة التقدم الإنساني بما تمثله من تجربة وحدوية وتنموية ملهمة للآخرين، ونموذج في التعايش والإخوة الإنسانية.