الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الثقة تُكتسب ولا تُعطى

الثقة تُكتسب ولا تُعطى
13 مايو 2021 01:48

الدكتور طارق فتحي

بعد عام كامل من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تسمية «كوفيد- 19» جائحةً عالمية، نجد أنفسنا نتأمل في الرحلة التي قطعناها والتغيرات التي مرّت بنا منذ ذلك الحين؛ إذ اعتمدت بلدان العالم المختلفة على استراتيجيات متنوعة ومجموعة واسعة من منهجيات العمل لإدارة الجائحة، من خلال تعزيز البُنى التحتية للرعاية الصحية، واتخاذ الإجراءات الحكومية اللازمة وتضامن أفراد المجتمعات، بهدف العودة إلى حياتنا المعتادة. وفي غياب «منهج واحد يُلائم الجميع»، كان هناك عنصر واحد مشترك في الاستجابة لهذه الجائحة على مستوى العالم، وهو الثقة.
تُعرف الثقة بكونها علامة تتميز بها المؤسسة في مجالات العمل والقيادة والنجاح، وهي العُملة المثالية في العلاقات المتبادلة بين المؤسسات وبين أصحاب المصلحة. كما أن الثقة هي الأساس الذي يُتيح أمام المؤسسة فرصة للتقدم وريادة الخطوط الأمامية، والمجازفة بتحمل المخاطر ثم التعافي بعد مواجهة التحديات. ومن دون الثقة لن تكون لدينا مصداقية ولا هويّة ولا قدرة على التأثير.
ويُعتبر بناء الثقة عملية طويلة الأجل قد تستغرق سنوات طويلة من العمل على إثبات المصداقية والصراحة والانفتاح والنزاهة. وعلى امتداد العالم، وضعت جائحة «كوفيد- 19» مفاهيم الثقة على المحكّ. فمع فقدان ما يزيد عن 2.8 مليون من البشر أرواحهم، والعدد ما زال يتصاعد، وارتفاع البطالة إلى حدود تضاهي فترة الكساد الكبير، تآكلت مستويات الثقة في جميع أنحاء العالم. ومع تطلّعنا قدماً نحو المستقبل، ينبغي علينا التعلم من هذه التجربة، واستيعاب الطريقة التي تُكتسب من خلالها الثقة.
وكشف مؤشر إيدلمان للثقة في استطلاعه السنوي العالمي لعام 2021 عن ثقة قوية بالقيادة في دولة الإمارات، وظهور الحكومة فيها مرة أخرى كأكثر المؤسسات الموثوقة في البلاد بنسبة «80%». وحتى في أصعب الظروف، برهنت شفافية الحكومة على صدقها، كما أكّدت صراحَتها وانفتاحها من خلال مشاركة المعلومات وإيضاح التفاصيل المعقدة والحيوية.
وأدارت دولة الإمارات استجابة سليمة وسريعة للجائحة، عبر إنجاز واحدة من أعلى معدلات اختبار الكشف عن «كوفيد- 19» على مستوى العالم، وترسيخ مكانتها كمركز لتوزيع اللقاحات يطمح إلى شحن 18 مليار جرعة بحلول نهاية العام. ومع ذلك، فقد كانت المسارعة إلى حماية حوالي 10 ملايين شخص يعيشون في دولة الإمارات جهداً جماعياً موحداً.
واليوم، وصلت ثقة المجتمع بنظام الرعاية الصحية في دولة الإمارات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بنسبة بلغت «81%»، لترتفع بذلك نقطتين عن مستواها في العام الماضي. 
ويتميز مفهوم الثقة في نظام الرعاية الصحية بطابعه المحلي وباعتماده على التجربة الشخصية، نظراً لما يتسم به من خصوصية. أما المقومات التي تُعزز الثقة العالية لدولة الإمارات ببنيتها الصحية التحتية فهي متعددة، ومنها الجاهزية العالية والاستجابة السريعة عبر تخصيص المرافق اللازمة ومنشآت الفحص والاختبار والتطعيم من داخل المركبة، إلى جانب العديد من المستشفيات الميدانية، والتي أسهمت جميعاً في تعزيز ثقة أفراد المجتمع بأن سلامتهم تُشكل أولوية قصوى.
ومن ناحية أخرى، كان نشر المعلومات والتحديثات الدقيقة بصورة مباشرة ومستمرة من خلال الرسائل المنتظمة عبر جميع نقاط الاتصال عاملاً أساسياً أيضاً في طمأنينة المجتمع وتغليب صوت العقل. 
ومنذ بداية الأزمة، أسهمت جهود شركة «صحة» إلى جانب دائرة الصحة - أبوظبي والشركاء في هذا القطاع بدور أساسي في استجابة نظام الرعاية الصحية في الإمارة؛ حيث تولت «صحة» مسؤولية تحسين البنية التحتية للرعاية الصحية، وإنشاء شراكات ضرورية لتوفير الرعاية، وتدريب موظفينا على التعامل مع هذا المرض الجديد خلال وقت قياسي. كما شارك أخصائيو الرعاية الصحية المدربين لدينا تدريباً عالياً بجهودهم الدؤوبة على خطوط الدفاع الأمامية، مدعومين بجهود القوى العاملة من وراء الكواليس في شبكة «صحة»، فكانت مساهماتهم جميعاً أساسية في مكافحة الجائحة وترسيخ ثقة المجتمع. ونجح تضافر الجهود المتميزة للعاصمة الإماراتية بتعزيز سمعتها العالمية كمدينة رائدة على صعيد الاستجابة؛ حيث تصدّرت تصنيف «مجموعة المعرفة العميقة» (DKG) في لندن على قائمتها لأفضل 25 مدينة رائدة حول العالم.
ونتيجة لذلك، قدمت الإمارات مثالاً يُحتذى به على مستوى العالم أجمع، حيث يمكن القول إنها أطلقت ونفذّت إحدى أسرع الجهود الجماعية التي شهدتها البلاد وأكثرها فاعلية على الإطلاق.
وفي نهاية المطاف، لم تعد كيفية اكتساب الثقة لغزاً، وأعتقد أننا سنعيد النظر في هذه التجربة باعتبارها لحظة حاسمة في مسيرة هذه الأمة، وسنخرج من هذه التجربة التعليمية الحرجة بثقة غامرة، ويرجع الفضل في ذلك لحدّ كبير إلى أولئك الذين نجحوا بالفعل في اكتساب تلك الثقة.

الرئيس التنفيذي للمجموعة، شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©