مُعيب جداً أن لا يعرف بعض العرب والمسلمين كيف يبنون مواقفهم الأخلاقية تجاه ما يحدث في القدس هذه الأيام. مُعيب جداً أن لا يعرفوا موقفهم الحقيقي من الأساس! ومن العار الذي «لا جوانب لشرفه ولا دمُ» أن بعض الآباء العرب، جهلاً أو عمداً، لا ينقل لأبنائه الحقيقة التاريخية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما هي!
تدور الاشتباكات في بيت المقدس بين الإسرائيليين المحتلين المدججين بالسلاح والفلسطينيين العُزّل، ويتفجر على إثرها اشتباك من نوع آخر بين كائنين على ظهر هذه البسيطة يبعدان آلاف الأميال عن موقع الدم والنار، ويتكئان على أريكتين محشوّتين بالريش: هل أنت متعاطف مع الفلسطينيين أم أن الأمر لا يعنيك؟ هل تقف مع الفلسطينيين أم سئمت تحوراتهم وتقلباتهم في العقود الأخيرة؟ مُعيب جداً أن «نسلعن» المسجد الأقصى، ونضعه في ميزان المواقف الطارئة والمؤقتة!
القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكل مسلم في الوقت الحالي حتى يتم تحرير فلسطين وإقامة دولتها المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية طبقاً لمقتضى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والمبادرة العربية التي انبثقت عن القمة العربية المنعقدة في بيروت في عام 2002. لا مساومة على عروبة الأرض بسبب موقف تخاذل أو عدوان من فصيل فلسطيني ما، ولا تنازل عن «إسلامية المسجد الأقصى» بسبب عقيدة مشوهة لبعض من يدّعي الدفاع عنه، ولا نسيان أو تهميش لحقوق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة مستقلة بسبب مواقف سياسية «خادشة للعروبة» لبعض المتحدثين باسمهم!
هذا موقف مبدئي ثابت لا يتزحزح، مكانه الصدارة والألوية، وما يتلوه من تفاصيل يمكن الاتفاق والخلاف حولها والحديث فيها وتشريحها، ومن ذلك بعض النقاط التالية:
أولاً.. يهم رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» أن تكبر شرارة الاشتباكات وتتحول إلى صراع مسلح يستمر لعدة أشهر. نتنياهو المحاصر الآن بملفات عدة، ومن بينها فشله الأخير في تشكيل الحكومة، يريد أن يؤزم الأوضاع على الأرض ليجبر الإسرائيليين على التخلي عن «ديمقراطية السلام» وتبني «الديمقراطية الأمنية» التي ترفع من أسهمه وتضعه في الواجهة السياسية من جديد. نتنياهو يعرف أن الإسرائيليين يختارون عبر ديموقراطيتهم الأمنية من يضمنون فقط أنه قادر على الدفاع عنهم، ويسقطون من حساباتهم باقي المرشحين الذين يزدهرون وترتفع أسهمهم في أجواء السلام فقط!
ثانياً.. يهم «منظمة حماس» ومن على شاكلتها من «الإخوانية الفلسطينية» أن تستمر الصدامات بين طرفين غير متوازنين عسكرياً، لتتحقق من وراء ذلك مصالح سياسية لا علاقة للشعب الفلسطيني بها. لا يهم «الإخوان» تدنيس المسجد الأقصى، ولا تهمهم معاناة المواطنين الفلسطينيين العزل في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية. ما يعنيهم هو خلق أجواء عربية، عبر أذرعهم في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تشيطن الأطراف التي تقف ضدهم، وتُعلي من شأن «مرجعيتهم» على امتداد العالم العربي. الحماسيون يقولون، وإن صمتت شفاههم، فليمت الفلسطيني مقابل أن يفوز الإخواني.
ثالثاً.. حان الوقت لأن تشكل الجامعة العربية لجنة وصاية عربية دائمة، تتحرك دولياً لإيقاف الهمجية الإسرائيلية، وتعمل في الداخل الفلسطيني على ترقية قيادات فلسطينية جديدة تتولى مهمة التنسيق ما بين لجنة الوصاية العربية والشعب الفلسطيني.
دور الجامعة العربية ليس الإدانة والاستنكار فقط، وإنما العمل على خلق الحلول المناسبة لكل مرحلة، وإلا ستبقى فلسطين رهينة المحبسين: الصهيوني والإخواني.