يعكس التطوع أسمى قيم التكافل الاجتماعي التي حثّ عليها الإسلام، وأكّد أهميتها في نشر التآخي والتآزر بين أفراد المجتمع حتى يصير «جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد»، وقبل أن يكون العمل التطوعي فعلاً دنيويّاً يُراد به ردّ الجميل للوطن وخدمة المُجتمع، فهو صدقة جارية، ثوابه وأجره عند الله أضعافٌ مُضاعفة. وثقافة التطوع في دولة الإمارات أصبحت ثقافة مجتمعية راسخة في نفوس شعب معطاء يُعبّر عن رقي حضاري ويعكسُ عمقاً إنسانيًاً ومشاعر نبيلة تُغرس في نفوس الأطفال وجيل الشباب لحمل مشعل العطاء الإماراتي وتكريس قيَمه في كلّ نواحي الحياة.
وسيراً على نهج خطى الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه»، الذي ترك بصمة في تاريخ العطاء الإنساني، أدركت دولة الإمارات أن افتقار مجال التطوع إلى التنظيم والتوجيه الصحيح يؤدي، لا محالة، إلى تقليص مساهمته أو دوره في تعزيز عملية التنمية ويفشل في تحقيق الغاية المنشودة منه. على هذا الأساس، أطلقت إمارة أبوظبي سياسة تهدف إلى تنظيم العمل التطوعي، من خلال تحقيق بيئة إيجابية كفيلة بنشر الوعي والتشجيع على المشاركة في الأعمال التطوعية من قِبل شرائح مُجتمعية عريضة، تماشياً مع أفضل المعايير المهنية والممارسات الدولية، دون ضرورة الانتماء إلى جهة أو مؤسسة مُحدَّدة. 
وبفضل منظومة من القوانين والتشريعات المُنظمة للعمل التطوعي في الدولة، أصبحت الإمارات تزخرُ بعشرات الجمعيات الخيرية وعدد لا يُستهان به من المؤسسات التطوعية، التي يبقى شغلها الشاغل تقديم جميع أشكال العون والدعم للمجتمع، تلبيةً لنداء الواجب الإنساني الذي يضع في أعلى هرم أولوياته تفريج هموم وكُرب وأحزان الآخرين، داخل الدولة وخارجها، دون أدنى اعتبار للعرق أو الدين أو اللغة. 
اليوم، وبعد خبرة واسعة راكمها الجيل الصاعد في العمل التطوعي الميداني في القطاعات الحيوية كافةً، تتجه العزيمة إلى إعداد دراسات علمية حول واقع العمل التطوعي ومستقبله في دولة الإمارات، بغية تركيز الجهود على تطويره خلال الخمسين عاماً المقبلة، بما يخدم تطلعات وتوجهات القيادة الرشيدة للدولة، ويدعم مسيرة التكاتف المجتمعي، خصوصاً بعدما أثبت هذا القطاع أهميته وقيمته في إسناد الدوائر الحكومية في تعزيز خط الدفاع الأول أثناء مواجهة الأزمات والكوارث والطوارئ التي تتطلب من الجميع التماسك والترابط كبنيان مرصوص يشدّ بعضه بعضاً، بما يضمن إشاعة الروح المعنوية العالية وشحذ الهِمَم نحو القِمَم، خصوصاً في الظروف الصعبة التي يعيشها أفراد المجتمع قاطبة، كما كانت عليه الحال في ذروة تفشي جائحة كورونا.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية