تابعنا الضجة التي صاحبت تراجع المفكر والفيلسوف الألماني يورجن هابرماس عن قبول جائزة الشيخ زايد للكتاب- فرع الشخصية الثقافية، التي كانت قد منحتها له في دورتها للعام 2021، تقديراً «لمسيرة مهنية طويلة تمتد لأكثر من نصف قرن»، بعد أن كان قد أعلن موافقته عليها رسمياً بكل «حماس وامتنان». 
 الجائزة التي تعد الأكبر في عالمنا العربي أصدرت بياناً في حينه عبرت فيه عن أسفها لتراجعه بعد ثلاثة أيام من «قبوله المسبق للجائزة»، وقالت إنها «تحترم قراره»، لأنها تقوم على «قيم التسامح والمعرفة والإبداع وبناء الجسور بين الثقافات، مؤكدةً استمرارها في أداء هذه الرسالة».
القبول والاعتذار واردان في عالم الجوائز الكبيرة، ومن أشهرها واقعة رفض الفيلسوف الفرنسي الراحل جان بول سارتر جائزة نوبل للآداب عام 1964، ولكن ما لم يكن عادياً حجم الهجوم والاستهداف للجائزة وللإمارات، وكشف عن أحقاد دفينة عند بعض العرب ممن يقدمون أنفسهم على أنهم رواد للثقافة والفكر. زينت لهم نفوسهم المريضة مقاطعة الجوائز الثقافية الخليجية وإعادة مبالغها المالية، وتناسى صاحب الدعوة الخبيثة في غمرة تشنجه أن يبدأ بنفسه باعتباره «كائناً طفيلياً» يقتات «من سخاء تلك الجوائز».
تكريم هابرماس بالجائزة كان سيتوج احتفاء الإمارات بالثقافة الألمانية، فهي ضيفة شرف الدورة المقبلة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب الشهر الجاري، وبما يعزز أيضاً شراكة المعرض مع نظيره في فرانكفورت، ولكنه اختار أن يكون الفائز الخاسر، وليكشف قوة تأثير على قراراته من ناشره المعروف بارتباطاته مع دوائر على علاقة وثيقة بأبواق«الإسلام السياسي» في أوروبا، ناهيك عن ضغوط مورست على الرجل الذي تجاوز التسعين من العمر، ويعد قامة فكرية هامة، وقائداً لحركة تنوير وصاحب إنتاج غزير، وينتمي لمدرسة فرانكفورت الفكرية، ويعد من أهم منظريها.
أرادوا استغلال الواقعة للإساءة للجائزة وللإمارات، ولكن محاولاتهم الدنيئة باءت بالخسران والفشل، وكل شرفاء العالم يعبرون عن اعتزازهم وتقديرهم العالي للجائزة، ويشاركوننا الفخر والاعتزاز بدورها الكبير والمعايير الشفافة التي تعمل بها والأثر العالمي لها منذ تأسيسها في ميادين الفكر والثقافة من خلال فروعها ومجالاتها التسعة. 
ستمضي الجائزة وتواصل رسالتها المستمدة من رؤية المؤسس الذي تتشرف بحمل اسمه، والذي حرص على أن تكون الإمارات رائدة دائماً، ومنارة تشع بالفكر والعلم ونشر قيم التسامح وحسن التعايش بين البشر، فكل الشكر والتقدير للقائمين على الجائزة، وخسئ المرجفون.