تنتظر إيطاليا الحصول على أكبر حصة من صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من جائحة كورونا. وهناك مسوغ ألا يبالي بمثل هذه الأنباء أي شخص تابع الثروات التي حصلت عليها البلاد في السنوات القليلة الماضية. فثالث أكبر اقتصاد في أوروبا له تاريخ في التقاعس عن إنفاق أموال أصغر بكثير بسبب الحالة الميؤوس لبيروقراطية الدولة. لكن هناك سبباً حقيقياً للتفاؤل هذه المرة. ماريو دراغي رئيس وزراء هو الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي يتمتع باستيعاب رجل تكنوقراطي لنقاط القصور في بلاده، كما أنه متحرر من الأصفاد المعتادة للسياسة الحزبية والتقشف العقابي للأنظمة الحاكمة السابقة في التكتل. ويمثل دراغي أفضل فرصة لإيطاليا منذ عقود لإصلاح إدارتها العامة ومن ثم تدشين إنفاق كبير تحتاجه إيطاليا لتتعايش في الاقتصاد العالمي ما بعد الجائحة. 
ورصد دراغي بنفسه أرقام المشكلة. فقد أعلن أن إيطاليا لم تنفق إلا ما يزيد قليلاً عن ثلاثة مليارات يورو، أو 6.7%، من إجمالي بلغ 55.7 مليار دولار (47.3 مليار يورو) خصصها الاتحاد الأوروبي لإيطاليا من عام 2014 إلى عام 2020. وفي عام 2017، كان لدى إيطاليا 647 مشروع بنية تحتية يجري العمل فيها لكن حتى الآن، لم يُنجز النصف من ثلثي هذه المشروعات. ودول التكتل الشمالية المقتصدة في الإنفاق قلقة من إهدار روما لأموال التعافي. والتحدي الأكبر يتعلق بإذا ما كان سيتم استثمار هذه الأموال أصلا. وهدف دراغي الأول هو أن يتمكن من إنفاق أكثر من 200 مليار يورو في منح وتمويل متعلق بالجائحة، وعلى نحو رشيد. وحاجته إلى تعليم البيروقراطيين في إيطاليا كيفية القيام بواجبهم توضح صعوبة المعركة في إصلاح أصعف اقتصاد كبير في منطقة اليورو. وإيطاليا، مثل دول التكتل الأخرى، يتعين عليها التقدم بخطط لكيفية استخدام أموال الجائحة قبل 30 أبريل. 

وكي يكون لحكومة دراغي أي فرصة في النجاح، يتعين عليها تحديث دولة إيطاليا المصابة بخلل وظيفي. فالإدارة العامة الهائلة للبلاد هي سبب هلاك رؤساء الوزراء المتعاقبين. فعدد موظفيها يبلغ ثلاثة ملايين وهي متوغلة في كل شيء، من المدارس إلى الشركات المملوكة للدولة. والروتين الحكومي والمحسوبية التي ابتليت بها الخدمة المدنية من الأمور الأساسية التي يستهدفها دراغي بالإصلاح لتعزيز إنتاجية إيطاليا المتدنية ولتحقيق النمو. وهذا يعني تحديداً إصلاح نظام الضرائب الإيطالي وإصلاح البيروقراطية المعرقلة والنظام القضائي شديد البطء. وتصلب نظام الدولة يتحمل جانباً كبيراً من مسؤولية احتلال إيطاليا المرتبة 58 بين 190 دولة في مسح البنك الدولي الخاص ب «القيام بالأعمال». وتحتل إيطاليا المرتبة 97 في توفير تصاريح البناء والمرتبة 98 في تدشين الأعمال والمرتبة 122 في تنفيذ التعاقدات والمرتبة 128 في قواعد الضرائب. 

والمهمة مضنية وقد تكون مستحيلة، لكن دراغي يتمتع بتأييد كبير في إيطاليا. وهذا بسبب مكانته الشخصية لكن أيضاً لأن السياسيين في أحزاب إيطاليا يدركون أنهم بحاجة إلى دعمه للحصول على نصيب من أموال التكتل للتعافي من الجائحة. وهذا يقدم له فرصة أفضل في الفوز بدعم لتنفيذ إصلاحات شاقة أكثر من رئيس وزراء تكنوقراطي آخر، ماريو مونتي، لم يكن لديه إلا تقشف الاتحاد الأوروبي في عام 2011 ليقدمه إلى المواطنين. فقد وقع ثلاثة من أكبر اتحادات العمال في إيطاليا على اتفاق مع حكومة دراغي يقر بأن إصلاح الإدارة العامة سيكون محفزا على التعافي. واختيار دراغي للاقتصادي ريناتو برونيتا كوزير للإدارة العامة هو قرار بارع. وبرونيتا هو أحد رجال الحرس السياسي القديم في إيطاليا وقام بدور تحت قيادة سيلفيو بيرلسكوني. فمن بين النقاط المضيئة القليلة في تلك الحكومة الفاشلة السابقة، أن برونيتا نفذ أول مرحلة من الإصلاح واصفا إدارة الدولة بأنها معرقلة للعمل. 

والشيء الأساسي في صالح دراغي هو حظ التوقيت. فبسبب إجراءات التقشف وجيل من موظفي الدولة الذين بلغوا سن التقاعد، يتعين على الإدارة العامة ملء شواغر عددها 300 ألف وظيفة. وهذا يقدم فرصة نادرة لإيقاظ الموظفين من سباتهم. وفي إيطاليا، يبلغ متوسط أعمار الموظفين في الإدارة العامة 50.7 سنة، فهناك 17% تزيد أعمارهم على 60 عاماً و3% فقط تقل أعمارهم عن 30 عاماً. وملء الوظائف يستغرق أربع سنوات في المتوسط. وعملية التوظيف غير الشفافة تحابي غالباً الأشخاص من داخل المؤسسات على الذين لديهم المهارات الملائمة. ودراغي عازم على كسر هذه الثوابت فيما يمثل أولوية صائبة. وإيطاليا بحاجة لاستخدام أموال الجائحة في تحقيق أهداف التكتل في التحول الرقمي والأخضر، ولذا يحتاج دراغي إلى أشخاص بمهارات مناسبة. ودراغي مصيب في قلقه من عدم قدرة شركات إيطاليا الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد البلاد على الاندماج في سلاسل الإمداد العالمية بسبب تخلف معظمها رقمياً. صرح دراغي في مارس أن "الإنفاق الجيد سيكون خطوة نحو بناء الثقة في المؤسسات والمشروعية».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»