يزداد الحديث حول العالم مؤخراً حول تأثير جائحة كوفيد- 19 ليس فقط على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والصحية في المجتمعات، بل على سوق العمل واحتياجاته من الوظائف أيضاً، وهو ما يمكن تسميته «سوق العمل ما بعد كورونا»، أو كما يروق للبعض تسميته بوظائف المستقبل. والأمر الجلي هو أن الجدل حول احتياجات سوق العمل من مخرجات النظام التعليمي كان منتشراً قبل أزمة كورونا، ولكنه سوف يشتد سخونة في العقود القليلة القادمة نتيجة التغيير الكبير والشامل في سوق العمل ومعظم وظائفه بسبب الجائحة. ولذلك يبدو لي أنها المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يتشارك فيها معظم دول العالم هاجسين متزامنين. الأول هو كيفية ضمان استمرار أسواق العمل حتى تستمر عجلة الاقتصاد العالمي وتسخير مداخيله في تطوير مختلف القطاعات وأهمها الصحة والتعليم والبنية التحتية التقنية، كما ثبت لنا ذلك أثناء جائحة كورونا. والهاجس الثاني هو طرق توفير الأيدي العاملة المؤهلة والمناسبة لاحتياجات سوق العمل الجديد. وأكاد أجزم بأن هذين الهاجسين سيستمران في الهيمنة على آلية اتخاذ القرار في المجالين التعليمي والاقتصادي في معظم دول العالم لعقدين قادمين على الأقل.
ولكن الحديث أيضاً ما زال مستعراً حول أيهما أهم: الشهادة الجامعية أم المهارات الشخصية، ولكلا المعسكرين دوافعهما على ذلك. فمن يقول بأهمية الشهادة الجامعية فوق المهارة الشخصية، يؤكد على أن التعليم العالي بالتحديد هو الجسر الذي يربط أجيال الشباب بسوق العمل وبأنه يساهم بقوة في دعم الاقتصاد بالخريجين المزودين بالعلم والمعرفة. وفي المقابل، فإن من يقول بأسبقية المهارات الشخصية على الشهادة الجامعية، يصر على أن سوق العمل يحتاج الشخص المسلح بالمهارات والقدرات والمواهب، والذي يستطيع التأقلم سريعاً مع متطلبات الوظيفة وبالتالي أداء المهام المطلوبة بنجاح، ويؤدي ذلك بالقطع إلى استمرار عجلة الإنتاج وتميز مخرجاتها وتزايدها. 
ويستشهد بعض أنصار هذا المعسكر بما قامت به، على سبيل المثال، المملكة المتحدة وأستراليا من توجيه مؤسسات التعليم العالي بضرورة دمج المنهاج الأكاديمي مع الخبرة العملية لتحسين العلاقة بين مخرجات تلك المؤسسات وسوق العمل، ولإحداث تغيير جذري في المناهج الأكاديمية للتركيز بشكل أساسي على تزويد الطلبة بالمهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل. وقد قامت بالفعل العديد من الجامعات البريطانية، مثل نيو كاسل ولوتون، و«الأسترالية»، مثل جيمس كوك، بتعديل مناهجها لكي تلائم التوجه الرسمي للحكومة ومواجهة متطلبات سوق العمل. وهنا نرى أن الدول التي بادرت بتلك التحركات ركزت أيضاً على تضمين أسس التعليم المهني، الذي يركز على المهارات والمواهب بقدر يفوق التركيز على الجوانب النظرية في التعليم، في مساقات التعليم العالي. 
وأستطيع القول إن كلا المعسكرين على حق. فلا يوجد مجتمع يطمح إلى تحقيق التنمية والتطور لا يمتلك نظام تعليم قوي يقوم على أسس علمية، كما لا يستطيع أي سوق عمل تحقيق أعلى مستويات الإنتاجية من دون قوى عاملة لا تمتلك أفضل المهارات والمواهب. وبالتالي قد يتبادر تساؤل إلى ذهن البعض مفاده على أي أساس إذن يجب أن ترتكز خطط التنمية في الدول: مخرجات التعليم العالي أم مهارات المواطنين ومواهبهم؟ والإجابة على ذلك ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض، إذ تختلف أوضاع وإمكانات كل دولة عن الأخرى، ولكن من الممكن القول بأن الدولة الفائزة في هذه المعادلة الصعبة هي من تستطيع إيجاد التوازن الصحيح بين مخرجات التعليم، بشقيه العالي والمهني، وبين احتياجات سوق العمل من خلال التحليل المستمر والتخطيط الاستراتيجي السليم لمتطلبات سوق العمل من وظائف المستقبل.