لا أعرفُ كيف كان شعورك، ولكنني وجدتُ المرحلة الأخيرة من الوباء صعبة بطريقتها الخاصة جداً. ذلك أن التأثير التراكمي لعام من التكرار والعزلة والتوتر أدى إلى حالة من الإنهاك -- تعودٌ على المألوف مع شعور بالهشاشة والضعف. وصدمة عام مضى حلّت محلها حالةٌ بطيئة من «مجرد الوصول إلى النهاية».
والواقع أن لدي مشاكل الذاكرة المشوشة نفسها التي يتحدث عنها آخرون كثيرون في هذا الوضع الممل والمتكرر: الدخول إلى غرفة ثم التساؤل عن سبب دخولي إلى هناك، وقضاء طويلة من الوقت في البحث عن سماعات الأذن الصغيرة، ونسيان أسماء الأشخاص والأماكن خارج فقاعة كوفيد الخاصة بي.
ولو تتبعتَ حالتي على جدول الشخصية، فأعتقد أن صفة «الحيوية» ستكون منخفضة وصفة «التحفظ» مرتفعة، وصفة «الخلو من القلق» منخفضة وصفة «التوتر» مرتفعة.
وهو ما يجعلني أتساءل حول كيف غيّر عام ونيف من التباعد الجسدي شخصياتنا. الخبر السار هو أن سمات الشخصية مستقرة جداً. فهي تتغير، ولكن بشكل تدريجي وعلى مدى عقود. وفي الأوقات العادية، تتغير سمات الشخصية عادة إلى الأحسن، إذ تُظهر الأبحاث أن معظم الأشخاص يصبحون أكثر هدوءاً وثقة في النفس وحساسين اجتماعياً مع كبرهم في السن وازدياد نضجهم.
ولكننا نتأثر بتجاربنا، وسيكون أمراً صادما ًلو أن تجربة بهذه القوة لم تؤثّر فينا بطريقة مهمة.
فأولئك الذين فقدوا شخصاً عزيزاً، أو كادوا أنفسهم يموتون لديهم قصصهم القاسية ليحكوها. والمراهقون والشباب عاشوا فترة جحيمية، على الأقل في دائرتي الخاصة، حيث أُرغموا على الوحدة، تحديداً في اللحظة التي كانت فيها هوياتهم تتشكل.
غير أنني كنتُ محظوظاً بشكل استثنائي – في أسرتي وصحتي – ولا أستطيع التحدث سوى عن تأثيرات الوحدة، بدلاً من المرض نفسه. وأرى أن التأثير الذي لم ينل ما يكفي من التقدير اللازم هو تراكم الغيابات – وأقصد بذلك الأفراح التي ضيعناها بدلاً من الضربات التي تلقيناها. فشخصيا، الصوت المفضل لدي هو صوت الناس وهم يضحكون حول طاولة في مقهى بوقت متأخر من الليل. وهذا شيء افتقدناه طيلة عام، وسأكره رؤية جدول يتعقب عدد المرات التي ضحك فيها الأميركيون كل يوم، خلال 2019 مقابل 2020.
فهناك كل الحفلات الموسيقية التي لم نذهب إليها، والمسرحيات وحفلات العشاء التي لم نستمتع بها. وقلة قليلة منا تمكنوا من عيش متعة إيجاد أنفسنا في بيئة اجتماعية لم نكن نعرف عنها شيئا. إنه فقدان التغذية العاطفية. وهو يتجلى اجتماعياً في الوحدة. ووفق دراسة لمشروع «تشجيع الرعاية» في جامعة هارفارد، فإن 36% من الأميركيين، بمن فيهم 61% من الشباب، يقولون إنهم يعانون من «وحدة خطيرة».
لقد فوجئتُ بكيف أن هناك شعوراً بأن الأمر لا يتعلق بمشكلة اجتماعية فحسب، وإنما بمشكلة أخلاقية أيضا. فنحن نقول إننا نشعر بشعور بالهدف والرسالة عندما نخدم قضية أكبر من أنفسنا، ولكنني تعلمتُ هذا العام إلى أي حد يتوقف امتلاك شعور بالهدف على أعمال ولفتات الضيافة والكرم الصغيرة التي نعطيها ونتلقاها كل يوم، أحيانا مع أشخاص لا نعرفهم بشكل جيد تماماً.
أعمال ولفتات صغيرة كأن تقيم حفلَ عشاء وتلاحظ أن كأس أحد الضيوف شبه فارغ. أو حين تجعل شخصاً غريباً على متن الطائرة يثق فيك ويبوح لك بأشياء شخصية، وبالمقابل، تبدي حضوراً مؤقتاً في حياته. لقد كنت متعوداً على عقد اجتماعاتي في المقهى نفسه في العاصمة واشنطن، وكانت تتناهى إلى سمعي أحيانا شذرات من حوارات بين أصدقاء يسدون النصح، ويبدون الاهتمام لبعضهم بعضاً.
تلك الأفعال واللفتات الصغيرة، مثل تبادل النصح، تبين أنها محصّنة للغاية. كما تبين أن الإحساس بأن لديك شعوراً بالهدف لا يتعلق بالالتزامات الكبيرة فقط، ولكن أيضاً بتبادل الهدايا الصغيرة مع أصدقائك.
تلك الفرص تقلّصت، وعملي توسّع من أجل ملء الساعات. فقد طلبتُ من العمل توفير أشياء هو غير قادر على توفيرها.
كان ينبغي أن يكون هذا العام الفرصةَ المثالية لخطو خطوة إلى الوراء من أجل التأمل والتفكير في الذات. وشخصياً، أعرفُ العديد من الأشخاص الذين قاموا بعمل داخلي مهم هذا العام، والكثيرين الذين كانوا بكل بساطة منهَكين للغاية. ولكنني وجدتُ صعوبة مؤخرا في التخطيط للمستقبل، لأنه من حالة الإغلاق وجدتُ أنه من الصعب تخيل كيف سيكون عليه شكل الحياة عندما ينتهي كل هذا ونعيش في حالة الحرية.
يبدو عام الوباء مثل قوس في قصص حيواتنا. ولكن كيف سنفكر – نحن الذين كانت خسائرهم صغيرة نسبيا -- في هذه التجربة بعد خمس سنوات، كهدية أم كقلق أم ربما كفراغ فقط؟ إنني أحاولُ وصف عام كنا فيه جميعا محميين ومحصَّنين جسدياً، ولكن أقل ترابطاً اجتماعياً ومعنوياً. لقد تسبب هذا الأمر، بالنسبة لي على الأقل، في قدر أكبر من الضعف والهشاشة، ولكن أيضا في شعور أكبر بالمرونة، وإمكانية أكبر للتغير.
فقد وجدتُ أنني أُنهكت على شاشاتي، وأنهكت بخصوص تسييس كل شيء، وأعدتُ اكتشاف حبي لنادي «نيويورك ميتس». الأشخاص الذين عانوا من فترة عصيبة يخرجون بقدر كبير من القوة الآن. وأنا على يقين أيضا بأن النصف الثاني من هذا العام سيكون أكثر روعة مما نستطيع تخليه الآن. ذلك أننا سنصبح أشخاصا يقدّرون الأشياء: نعجب بالأشياء، ونستمتع بكل متعة صغيرة، ونعيش في ألف لحظة لذيذة، ونلتقي مع الأصدقاء والغرباء، ونراهم بفرحة عيون جديدة وممتنة.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/04/01/opinion/covid-lockdown.html