الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ

وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
7 مايو 2021 01:15

أبوظبي (الاتحاد) 

يعد «الحلم، والأناة» ومقابلة الإساءة بالحسنة، من الأخلاق النبيلة، والصفات الكريمة ولهما قيمتهما ومكانتهما في الشريعة، وخير أسوة وأفضل قدوة لنا في الأخلاق الزكية: هم الأنبياء والصحابة والصالحون، وهذا إمام المتقين صلى الله عليه وسلم فحينما جذبه الأعرابي جذبةً شديدةً أثرت في عنقه وقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك فإنك لا تعطي من كدِّك ولا من كد أبيك، فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم أمر له بعطاء. وقد ذكر القرآن الكريم صفات المتقين بقوله: (... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلأَشَجّ، أشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ». قَالَ: يَا رَسُول اللَّه: فأنا تَخَلَّقْت بِهِمَا، أَمْ جُبِلْت عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بل الله جبلك عليهما، قَالَ: الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللَّه. 
ويبين لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث ما يجب أن يتصف به المسلم من الصفات الكريمة، والأخلاق الزكية، ففي الحديث الشريف ثناء من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على الصحابي الجليل أشَجَّ عَبْدِ الْقَيْسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لتخلقه واتصافه بهاتين الخصلتين العظيمتين وهما: الحلم والتأني، وقد كان أشج عبد القيس ضمن وفد قد أتى من البحرين، فقال لهم أشج عبد القيس انتظروا، والبسوا، وتطيبوا، واغتسلوا ثم ادخلوا على النبي  صلى الله عليه وسلم، قالوا له: ندخل عليه الآن، فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، بغبار السفر، وشعث السفر، ولم يدخل حتى خرج إلى نخلة، فاغتسل، ثم لبس ثيابه وتعمم وتطيب، ثم أخذ عصاه بيده ودخل المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع الناس، فسلم وجلس. فالتفت إليهم - صلى الله عليه وسلم - وقال: «من الوفد»؟ قالوا: ربيعة - نحن من قبائل ربيعة – قال: «مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى». ثم التفت إلى أشج عبد القيس، وقال: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة». قال: يا رسول الله، أخلقان جبلني الله عليهما أم تحليت بهما؟ قال: «بل جبلك الله عليهما» قَالَ: الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللَّه.
وضرب الأنبياء أعظم الدروس، وأبلغ العبر في كيفية التعامل مع الآخر، وبناء العلاقات، سواء كانت في الأسرة أو المجتمع، من الحلم والصبر وكظم الغيظ، فهذا سيدنا يوسف قد آذاه إخوته، وتآمروا على قتله، وفعلوا به ما فعلوا، وهو يدرك أن كل ما مر به من محن في تاريخه بسببهم، من بُعْدٍ عن أبيه، وَمِنْ رَمْيٍ في البئر، وَمِنْ سَجْنٍ، في قصة امرأة العزيز، ومرة أخرى يكررون تهمة باطلة: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ...)، «سورة يوسف: الآية 77». لم يتكلم، فضبط نفسه، وكظم غيظه، (... فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ).. ما أروعه من قدوة، وما أجله من درس، فلم ينطق لسانه ما يجرح مشاعر إخوته، بل قالها سراً في نفسه، ثم بعد ذلك مسامحاً لهم، عافياً عنهم، (... لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وامتثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخلاق العظيمة، وترجموها واقعاً وسلوكاً في تعاملاتهم اليومية، قال سيدنا معاوية رضي الله عنه: «لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته. وكان المهلب بن أبي صفرة قد مرَّ يوماً على قوم وفيهم شاب فقال هذا الشاب لصاحبه: أهذا هو المهلب؟ فقال صاحبه: نعم. فاستخف الشاب به لما رآه وقال: هذا والله لا يساوي خمسمائة درهم، فسمعه المهلب وأكرم نفسه بعدم الالتفات إليه، ولما أمسى الليل أخذ المهلب معه خمسمائة درهم وأتى الشاب، وقال له: خذ هذه خمسمائة درهم قيمة عمك المهلب، والله يا ابن أخي لو قيمتني خمسة آلاف لأتيتك بها، فخجل الشاب وقال: ما أخطأ من جعلك سيداً، وقد وصف الشاعرُ مثل هذا الموقف بقوله: 
وإذا بغى باغٍ عليك بجهله.. فاقتله بالمعروف لا بالمنكر. وإن ضبط النفس يقتضي منعها من التصرف الخاطئ، وهذا يحتاج إلى الشجاعة والحكمة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قَالُوا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ!». وقال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رؤوس الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ».
وإنفاذ الغضب فيه الكثير من الضرر والخسارة، فبسببه تقع المشكلات الكثيرة، فكم من غضبة أفرزت طلاقاً بائناً، وهدمت أسرة قائمة؟! فصار مصير الأولاد الضياع والتشتت. وكم من أبٍ طرد ابنه نتيجة الغضب فضاع الابن وانحرف، وتلقفته يد الأشرار، وأصحاب الفتن والأهواء؟! وكم بسببه حصلت مشكلات ومشكلات، وعرضت صاحبها لذل الاعتذار والتأسف لهذا وذاك. فكم نحن اليوم في أمس الحاجة إلى ضبط النفس في علاقاتنا الاجتماعية والوظيفية، وتعاملاتنا اليومية، وحتى عند قيادتنا للسيارة وغيرها!. 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©