من بين العقبات العديدة التي واجهتها أطقم الإنقاذ المصرية أثناء تحرير السفينة العملاقة التي كانت عالقة، قبل ما يزيد على شهر، في قناة السويس، كانت التوقعات الضعيفة بالنسبة لقدرة مصر على حل مشاكلها الخاصة -وهو التصور الذي تقاسمه كثيرون.
قال مجدي جمال، قبطان زورق القطر: «كان التحدي الرئيسي أمامنا هو تحدي أنفسنا لأننا كنا نريد إسعاد المصريين. كان ثمة الكثير من اللغط عن المساعدات الخارجية وحول جلب طاقم أجنبي بالكامل لإدارة العملية، لكننا كنا نريد أن نثبت أن مصر قادرة على تحقيق ذلك».وقد أثبتت أنها فعلاً كذلك.
احتفل المصريون بتحريك السفينة العملاقة «إيفر جيفين»، وإنقاذ التجارة العالمية، مع تدفق- نادراً ما يحدث- لعبارات الفخر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المحادثات في جميع أنحاء العاصمة. وقد أشادت وسائل الإعلام الحكومية بالرئيس عبد الفتاح السيسي للنجاح في إعادة تعويم ناقلة البضائع العملاقة، وأشار بعض المصريين إلى أوجه تشابه مع الطريقة التي احتفل بها الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس عام 1956.
لقد شعر العديد من المصريين بإحساس جماعي بالفخر خلال الموكب الذهبي لنقل المومياوات الفرعونية في نهاية الأسبوع الماضي، حيث تم نقل 22 مومياء في موكب رائع اجتاز شوارع القاهرة إلى متحف الفسطاط الجديد في احتفال تم بثه عالميا. وينتابهم نفس الشعور، وهم يشاهدون نجم كرة القدم المصري محمد صلاح يلعب.
لكن كانت هناك حالات قليلة في الذاكرة الحديثة حيث ساعدت الإجراءات التي تتخذها مصر في تجنب أزمة اقتصادية عالمية وخسائر بمليارات الدولارات. وكان هذا لطيفاً بشكل خاص، لأن الكثيرين شككوا في قدرة مصر على تحرير السفينة بسرعة. لقد تجاهل المصريون والأجانب قدرات عمال قناة السويس. وتوقع الخبراء أن تستغرق عملية التحريك أسابيع، ما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي. كانت هناك تقارير عن وصول فريق من البحرية الأميركية للإنقاذ، بالإضافة إلى جهات أجنبية أخرى تتولى عمليات الإنقاذ.

وقال «تيموثي قلدس»، زميل في «معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط»: «التعصب الأعمى للتوقعات السلبية» له ماض طويل، خاصة عندما يتعلق الأمر بقناة السويس. بعد تأميم عبد الناصر للممر المائي الحيوي، توقع البريطانيون والفرنسيون فشل مصر في تشغيله وطلب مساعدتهم، لكن المفاجأة أن المصريين علموا كيفية تشغيل القناة واستمر الشحن دون عوائق.
وأضاف أنه في الوقت الحاضر، هناك «سيادة غربية متأصلة للبيض، تفترض أن الأجانب هم من يتعين عليهم حل المشاكل في مصر أو أنهم هم القادرون والفعالون. وللأسف، فإن هذه الفكرة لها تاريخ طويل ومظلم حقاً يعود إلى أوائل فترة ما بعد الاستعمار في مصر».
لم يتوقع طاقم الإنقاذ المصري ذو الخبرة العالية موجة من التشكيك كانت تزداد مع كل يوم ظلت فيه «إيفر جيفين» عالقة في القناة. لقد نشأ العديد من العمال على قناة السويس، حيث كان الآباء والأجداد يعملون في الممر المائي الحيوي.
ومما زاد الضغط، أن حكومة السيسي صورت النضال من أجل تحرير السفينة بمصطلحات قومية، واصفة إياه بأنه واجب وطني.
قال بدر رمضان، أحد أعضاء الطاقم على أحد زوارق القطر: «كنا نعلم أن الأمر سيستغرق وقتاً، لكننا كنا نعلم أننا سنتمكن عاجلاً أو آجلاً من تحرير السفينة. فنحن مدربون تدريباً عالياً ومؤهلون للقيام بهذا العمل».
خلال الأزمة لم يمنح الكثير من المصريين والعرب والغربيين الفضل الكامل للطواقم المصرية التي كانت تعمل ليلاً ونهاراً لتعويم السفينة. على وسائل التواصل الاجتماعي، جادل عدد لا يحصى من المنشورات بأنه لم يكن من الممكن إطلاق سراح «إيفر جيفين» إذا لم يصل زورق القطر الهولندي القوي -الذي يتمتع بقوة قطر أقوى من أي قاطرة مصرية -للمساعدة.
إن أحد أهم الحفارات في العملية، والذي جرف الرمال من تحت السفينة، هو «مشهور» الذي تبلغ قوته 31000 حصان، الذي تملكه وتشغله مصر، والذي كان أشبه بمكنسة كهربائية تحت الماء. كما عملت تسعة زوارق مصرية للقطر مع القاطرة الهولندية، ولاحقاً الإيطالية، لتحريك السفينة.
يقول «قلدس» إنه حتى مع بعض التدخل الخارجي، فإن هيئة قناة السويس المصرية هي التي تعاقدت في النهاية مع الغربيين، مضيفاً أنه إذا كانت العملية قد استغرقت وقتاً أطول، لألقى العالم باللوم على مصر، وليس الأجانب.
عندما بدأت السفينة بالتحرك مرة أخرى، التقط طاقم كراكة «مشهور» مقطع فيديو سيلفي وهتفوا فيه باللغة العربية «مشهور هو رقم واحد». وسرعان ما انتشر الفيديو عبر عالم وسائل التواصل الاجتماعي.
بحلول ذلك الوقت، أفسحت التوقعات السلبية المجال للفخر والثقة في المصريين.
وكتب إبراهيم فايق، المذيع الرياضي، على تويتر «يجب الاحتفاء بعمال ومهندسي قناة السويس في وسائل الإعلام. ويجب تسليط الضوء على رجالنا وأبطالنا في كل مجال. ما فعلوه هو شيء عظيم ويدعو إلى الفخر بهم».

سودرسان راغافان*
مدير مكتب واشنطن بوست في القاهرة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»