منذ أن اكتشف النفط لأول مرة بدول مجلس التعاون الخليجي بالبحرين قبل تسعين عاما، مرت العلاقات بين شركات النفط الأجنبية ودول المجلس بمراحل تخللتها تفاوتات في المصالح من جهة، وتغير في طبيعة الملكية والإدارة من جهة أخرى، إلا أن تعامل دول المجلس بمرونة عزز من تنامي دورها في إدارة ثرواتها على مدى العقود الماضية.
في البداية منحت اتفاقيات الامتياز الشركات الأجنبية صلاحيات كاملة في إنتاج وإدارة وتسويق النفط، في مقابل حصول دول الخليج على جزء من الريع النفطي، والذي كان بالنسبة لها ثروة كبيرة هبطت من السماء بعد معاناة سنوات من تدهور صناعة اللؤلؤ بسبب اكتشاف اليابان للؤلؤ الصناعي، لذلك لم تجادل دول الخليج كثيرا في شروط الامتياز، بل إنها لم تكن تملك الدراية بهذه الصناعة الجديدة، والتي أطلقت عليها تسميات محلية مضحكة أحياناً.
بعد أربعة عقود تكونت مؤهلات محلية خليجية، سواء في إنتاج النفط وإدارته وتسويقه لتكتشف كم كانت اتفاقيات النفط مجحفة بحقها، حيث برز نفس الوعي في بقية البلدان العربية المنتجة للخام، مما أدى إلى ظهور اتجاهين لكيفية العمل على تغيير هذه الاتفاقيات لصالح تدعيم مكاسب الدول العربية، الاتجاه الأول تبنته بداية السبعينيات الدول ذات الأنظمة الجمهورية، كالعراق وليبيا والتي عمدت إلى تأميم شركات النفط بصورة شاملة، كإجراء مبالغ فيه، خصوصاً وأن هذه البلدان لم تكن تملك التكنولوجيا اللازمة لتطوير الصناعة النفطية، وتفتقر إلى الكفاءات الإدارية اللازمة لإدارة هذا القطاع الحيوي، مما كبدها خسائر كبيرة.
في الفترة نفسها انتهجت دول المجلس اتجاهاً عقلانياً من خلال اتفاقيات المشاركة، والتي بموجبها امتلكت 60% من هذه الشركات، مقابل بقاء الشركات الأجنبية وخبراتها التكنولوجية والتسويقية وكوادرها البشرية، وهو ما أدى إلى تطور سريع في صناعة النفط والغاز، علماً بأن نسبة الملكية تنامت إلى أن وصلت 100% لبعض الشركات في فترة لاحقة، وبعد أن اكتسب العاملون المحليون الخبرات اللازمة لإدارة هذا المرفق وتطويره.
من غرائب الصدف أن المرحلة الأولى استغرقت أربعة عقود ونصفاً، وكذلك المرحلة الثانية التي شارفت على الانتهاء لتدخل صناعة النفط الخليجية مرحلة جديدة متأثرة بعدة عوامل اقتصادية وتقنية وبيئية، فأسواق النفط تتحول بسرعة من أسواق بائعين إلى أسواق مشترين، وذلك بسبب التوقعات الخاصة بتراجع حصة النفط في ميزان الطاقة العالمي، والتطور السريع لمصادر الطاقة البديلة والتوجهات الدولية لتقليل انبعاثات الكربون للمحافظة على البيئة.
هذه التحولات مع أنها ستكون تدريجية، إلا أنها كبيرة ومؤثرة، مما يتطلب الاستعداد لها على أكثر من صعيد، إلا أننا سنشير هنا إلى قضية تحول الأسواق إلى أسواق مشترين، حيث سيرتبط ذلك بالمرحلة الثالثة لتغير طبيعة ملكية شركات النفط الخليجية، والتي يمكن استشفافها من ثنايا الحديث المهم لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما تحدث عن وجود محادثات لبيع حصة من شركة «أرامكو» العملاقة لمستثمر أجنبي يتوقع أن يكون الصين بحكم اعتمادها الكبير على النفط السعودي.
هذا التوجه الجديد والذي يتوقع أن يشمل بقية دول المجلس، بل الدول النفطية بصورة عامة، هو توجه صحيح وضروري، إذ أنه يرمي إلى ربط مصالح الدول الكبيرة المستهلكة للنفط بمصالح الدول المصدرة له، وبالتالي يضمن وجود أسواق دائمة في ظل التنافس الشديد على أسواق الاستهلاك، وبالأخص في آسيا، كالصين والهند واليابان.
ومع أن البعض قد يتخوف من هذا الاتجاه، إلا أنه لا توجد وفق تقديرنا أية مخاوف، فدول الخليج ستظل المالك الرئيسي بأغلبية كبيرة، مما يعني بقاء السياسات والقرارات في «الدار» في الوقت الذي ستضمن من خلال هذه الشراكات الجديدة وجود منافذ تسويقية على المدى الطويل، كما أن الدول التي ستمتلك حصصاً في شركات النفط الخليجية ستستفيد بدورها كثيراً، سواء بضمان إمداداتها أو بالحصول على أرباح مجزية لاستثماراتها، مما يعني ربطاً للمصالح المشتركة للطرفين ضمن هذه المرحلة الجديدة. 
* مستشار وخبير اقتصادي