حفلت الأسابيع القليلة الماضية بدعوات دولية متكررة إلى حل المشاكل التي تعترض استمرار التسوية السياسية في ليبيا وتوفير الضمانات اللازمة لنجاحها، بعد تشكيل سلطة تنفيذية جديدة في ظل توافق داخلي وإقليمي ودولي.
وإذ كان للجهود الدولية، التي قادتها الأمم المتحدة، أثر كبير في هذا التقدم، فمن الضروري أن تتواصل لإنجاز متطلبات استمراره، على نحو يتيح الوصول إلى موعد الانتخابات العامة في أجواء تُوفَّر ثقةً تدفع أكبر عدد من الليبيين للمشاركة فيها.
وتقتضي المسؤولية الدولية تجاه ليبيا، على هذا النحو، جهداً مستمراً للتوصل إلى تفاهمات شاملة لحل المشاكل الباقية، ومن أهمها خروج القوات الأجنبية بدءاً بالمرتزقة، تفكيك الميليشيات المحلية التي تبدو مثل قنبلة قابلة للانفجار في المناطق الغربية. وتدرك القوى الدولية الرئيسية والأمم المتحدة جيداً أن التسوية التي بدأت مازالت هشة، وتعرف أن الميليشيات والقوات الأجنبية تُمثَّل العُقدة الأكبر في ما يتعلق بإكمال المسار الذي بدأ.
ومن أهم مؤشرات هذا الإدراك تكاثر التصريحات والبيانات التي صدرت منذ مطلع فبراير الماضي للدعوة إلى الإسراع بمغادرة القوات الأجنبية وتفكيك الميليشيات. 
الأمم المتحدة، من جانبها، تُبدي اهتماماً ملحوظاً بهذه المسألة، منذ أن دعا مجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية دون مزيد من التأخير في بيان أصدره في 13 مارس للترحيب بحصول الحكومة الجديدة على ثقة مجلس النواب، كما طالب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بشكل متكرر بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا وحل مشكلة الميليشيات. 
ويتبنى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الموقف نفسه. وقد بدأت إدارة جو بايدن فترتها بالتعبير عن ضرورة (إنهاء التدخلات العسكرية في ليبيا واحترام سيادتها) خلال اجتماع افتراضي عقده مجلس الأمن في 29 يناير الماضي. وعادت الخارجية الأميركية في 7 فبراير للمطالبة بخروج القوات الأجنبية من ليبيا، في سياق ترحيبها بتشكيل السلطة التنفيذية الموحدة. وتكررت تصريحات مسؤولين أميركيين كبار في هذا الاتجاه خلال الفترة التالية. وكذلك تكررت تصريحات مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، وفي عدد من دوله، حول ضرورة الإسراع بخروج القوات الأجنبية.
ولكن المسؤولية الدولية تجاه ليبيا لا يصح أن تقف عند حدود تكرار المطالبة بخروج القوات الأجنبية أو انسحابها. الوقت قصير للغاية حتى موعد الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل. ولهذا أصبح من الضروري اتخاذ مواقف فعلية. وبرغم عمومية حديث السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، في 29 مارس، عن أن بلاده ودولاً أخرى ستستخدم نفوذها الديبلوماسي لدعم السلطة التنفيذية الموحدة، فقد عبر عما يتعين الشروع فيه لإنقاذ مسار التسوية وضمان نجاحه.
ويعني استخدام النفوذ الدبلوماسي في مثل هذه الحالة الانتقال من المطالبة بسحب القوات الأجنبية إلى التحرك سعياً للتوصل إلى تفاهمات دولية وإقليمية على خطة مقبولة من مختلف الأطراف المعنية، لبرمجة خروج القوات الأجنبية بدءاً بالمرتزقة في المرحلة الأولى، أو بالأحرى تسريع معدلات مغادرتهم بعد أن تم سحب جزء منهم في الأسابيع الأخيرة.
ولتكن البداية في إطار مجلس الأمن، ولكن بشكل غير رسمي، سعياً إلى اتفاق بين الدول الخمس الدائمة العضوية، ثم دعوة مختلف الأطراف المؤثرة في الأزمة الليبية إلى اجتماع موسع لإجراء حوار باتجاه التفاهمات التي تشتد الحاجة إليها الآن.
وعندئذ فقط، سنجد تعبيراً جاداً وفاعلاً عن المسؤولية الدولية تجاه ليبيا، وتأكيداً للاقتناع بأن نجاح مسار التسوية فيها ضروري لملفات استراتيجية مهمة للاستقرار في منطقة واسعة تمتد من جنوب المتوسط وشرقه إلى غرب أفريقيا ووسطها.