وافق البرلمان الإيطالي على خطة إنفاق رئيس الوزراء الإيطالي «ماريو دراغي» البالغة 261 مليار يورو (أو ما يعادل 315 مليار دولار) من أجل إنعاش ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات الجائحة. والآن جاء الجزء الصعب، ألا وهو تطبيق الإصلاحات البنيوية الصعبة التي تحتاجها إيطاليا من أجل دعم النمو، وإعادة التوازن إلى الحسابات العامة، وإقناع الإيطاليين بأن ذلك هو الطريق الصحيح. 
على أن الفشل في القيام بذلك سيؤدي بإيطاليا إلى التراجع، وإفشال مخططات الاتحاد الأوروبي بخصوص مزيد من التكامل والاندماج الاقتصادي. 
«دراغي» أشار إلى ذكرى رجال الدولة في إعادة إعمار إيطاليا بعد الحرب أثناء عرض خطته للإنفاق والإصلاح المؤلفة من 273 صفحة على البرلمان هذا الأسبوع. والواقع أن التشبيه باقتصاد إيطاليا المنكوب بعد الحرب العالمية الثانية ليس في غير محله. فقد تقلص الناتج المحلي الخام للبلاد بنسبة 8.9% العام الماضي، مقارنة مع تراجع قدره6.2 % بالنسبة للاتحاد الأوروبي في المتوسط. كما أن أكثر من 120 ألف إيطالي ماتوا بسبب كوفيد- 19، وهي أكبر خسارة في الأرواح داخل التكتل الأوروبي بسبب الفيروس.
كما أثّر الوباء على معدل الولادات المتقلص أصلاً في إيطاليا. فالعام الماضي، كان هناك عدد أقل من الأطفال الرضع في إيطاليا منه في أي وقت منذ إعادة التوحيد، كما أن قرابة 10%من السكان يعيشون في فقر مدقع. 
والأدهى من ذلك أن الفيروس ضرب إيطاليا في وقت لم يتعاف فيه اقتصادها بعد من تأثيرات الأزمة المالية، وهو البلد الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي فشل في فعل ذلك. فخلال الفترة من 1999 إلى 2019، نما الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا بـ7.9%، مقارنة مع نمو ما بين 30% و45% بالنسبة لألمانيا وفرنسا وإسبانيا. وتقلصت إنتاجيتها الاقتصادية بـ6.2% بين 2001 و2019، بينما نمت في بلدان أخرى في أوروبا. ومما يزيد من الشعور بأن إيطاليا عالقة وسط القرن الماضي هو حقيقة أن لديها أقل نسبة تمثيل للنساء ضمن القوة العاملة في أوروبا، بـ53%.
وعليه، فإن «دراغي» محق في إعطاء اقتصاد- يكاد يكون ميتاً - صعقة كهربائية من خلال خطة الإنفاق الضخمة. وتُعد روما أكبر مستفيد من صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من آثار الجائحة البالغة قيمته 750 مليار يورو، كما أن الـ261 مليار يورو التي في حوزته غير مسبوقة. إلا أن المهمة ضخمة ومعقدة وخطيرة. 
أركان خطة دراغي تتمثل في الاستثمار العام والتحفيزات لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار أكثر أيضا. وهناك ست «مهمات» استثمارية، أهمها الرقمنة والاقتصاد الأخضر (الذي يشمل النقل المستديم مثل شبكات السكك الحديدية عالية السرعة). ويحصل جنوب إيطاليا الذي يعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية على 40% من إجمالي الإنفاق. وتولى الأولوية للنساء، وكذلك للشباب، حيث تطال البطالة واحداً من كل ثلاثة منهم. 
غير أن الإنفاق هو الجانب الأسهل في العملية بالنسبة لدراغي، ذلك أن مهمته الأكبر هي الخطة متوسطة وطويلة الأمد لإعادة بناء الاقتصاد الإيطالي بطريقة تدعم النمو. وهذا يتطلب إصلاحا بنيويا مؤلماً تفادته إيطاليا لعقود في العدالة والإدارة العمومية، والمنافسة، والتعقيدات البيروقراطية. ومن دون ذلك، ستواجه الإصلاحات المجموعات التي لديها مصلحة في بقاء الوضع على حاله والاختلالات مثل التهرب الضريبي الذي يعيق الاقتصاد الإيطالي. 
والواقع أن هناك منذ الآن مؤشّرات على السخط السياسي: فقد سخر مشرّعون من دراغي هذا الأسبوع في مجلس الشيوخ عندما أخطأ قراءة ملاحظاته. غير أنه بالنسبة لإيطاليا ليست هناك خطة بديلة، وكذلك الشأن بالنسبة لأوروبا. وإذا فشلت هذه الخطة في إيطاليا، فإن السياسة المالية الأوروبية ستفشل أيضا. وهذا من شأنه أن يشكّل كل الذخيرة التي يحتاجها المعارضون لمشروع الوحدة الأوروبي من أجل إعادة إحياء قضية اتبعوها في المحكمة الدستورية الألمانية من أجل اعتبار صندوق التعافي من الجائحة التابع للاتحاد الأوروبي غير قانوني. 
نجاح «دراغي» في أن يصبح واجهة اتصال بين السياسة الأوروبية والسياسة الوطنية الإيطالية منح بلاده مجالاً للتنفس. فبالنسبة لأوروبا، دراغي هو الضمانة على أن روما لن تتخلف عن تسديد ديونها. ولكن المهم بالقدر نفسه أيضاً أن لدى خطته حياة أطول من حياة حكومته الائتلافية، ذلك أن الهيئة التشريعية الحالية لإيطاليا تنتهي في 2023، في حين أن الخطة تمتد حتى 2026. 
وعليه، فإن ما ينبغي عليه فعله الآن هو التحدث مع الشعب الإيطالي، من أجل بناء إجماع حول الخطة. وهنا يمكنه أيضا الاستفادة من تجربة زعماء إيطاليا خلال مرحلة ما بعد الحرب الذين بنوا معجزتها الاقتصادية على حملة وطنية مشتركة لتحسين «المصلحة العامة». ذلك أنه إذا لم يتبن الجمهور خطة دراغي، فإنه لن يكتب لها النجاح أبدا. 

  ريتشل ساندرسون*

*كاتبة متخصصة في الشؤون الإيطالية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»