الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القيرواني... يا ليل الصبّ متى غده؟

القيرواني... يا ليل الصبّ متى غده؟
4 مايو 2021 00:27

ساسي جبيل (تونس)

المسيرة الإيجابية في الحياة تصنع بالعزيمة، وترتقي بالفعل الجاد والإضافة النوعية من خلال الاندماج والمساهمة والامتزاج التلقائي بالمجتمع، وتجاوز كل المعوقات. في هذه المساحة نستعرض سيرة حياة كُتاب وفنانين ومبدعين من أصحاب الهمم، ارتبطت أسماؤهم بتجاوز العوائق والقدرة على التفوق والتألق.
أبو إسحاق علي بن عبد الغني الفهري الحصري الضرير أبو الحسن (420 هـ - 488 هـ/ 1029 - 1095 م) شاعر تونسي ولد بالقيروان.
كان ضريراً، ولد وعاش بالقيروان ومات في طنجة المغربية، حفظ القرآن بالروايات وتعلم العربية على يد شيوخ عصره.
وتؤكد المصادر أنه فقد بصره في طفولته ولم يولد كفيفاً، وكان فقده لبصره سبباً لولوعه بتقليد أبي العلاء في شعره ورسائله، وقد تشابه الرجلان من خلال الحوادث التي عاشاها.
وأثناء الغزو الهلالي للقيروان عام 449هـ، رحلت أسرة الحصري إلى سبتة بالمغرب، فبقي فيها حوالي عشر سنوات.
وقد آلمته نكبة القيروان، فكتبها شعراً من خلال قصيدة يقول فيها:
مَوتُ الكرامِ حياةٌ في مواطِنهمْ
 فَإن هُم اغتربُوا مَاتُوا وَمَا ماتوُا
يا أهلَ ودّيَ لاَ والله ما انتكَثَتْ
 عندي عهودٌ ولا ضاقتْ مودّا
تُلِئن بَعد ثُم وحال البحرُ دونكُمُ
 لَبينَ أرواحِنَا في النَّوم زَوْرا
تُما نمت إلاّ لِكي ألقىَ خيالكُمُ
وأين مَنْ نازحِ الأوطانِ نوما 
وانتقل بعد ذلك إلى إشبيلية ملتمساً الحظوة عند المعتمد بن عباد، ثم تركها بعد مدة لينتقل الى ملوك الطوائف، حيث انتقل إلى سرقسطة ثم المرية، ثم مرسية، فعظمت مكانته عند ملوكها ومدحهم بقصائد ذاع صيتها واشتهرت بين الناس وتنافس المغنون في تلحينها والشعراء في معارضتها، ولعل قصيدته الأشهر«يا ليل الصب»، التي نقتطف بعضاً منها ويقول فيها:
يا ليلُ الصبُّ متى غدُه 
أقيامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ
رقدَ السُّمَّارُ فأَرَّقه 
أسفٌ للبيْنِ يردِّدهُ
فبكاهُ النجمُ ورقَّ له 
ممّا يرعاه ويرْصُدهُ
كلِفٌ بغزالٍ ذِي هَيَفٍ 
خوفُ الواشين يشرّدهُ
نصَبتْ عينايَ له شرَكاً 
في النّومِ فعزَّ تصيُّدهُ
وكفى عجباً أَنِّي قنصٌ 
للسِّرب سبانِي أغْيَدهُ
صنمٌ للفتنةٍ منتصبٌ 
أهواهُ ولا أتعبَّدُهُ
صاحٍ والخمرُ جَنَى فمِهِ 
سكرانُ اللحظ مُعرْبدُهُ
ينضُو مِنْ مُقْلتِه سيْفاً
وكأَنَّ نُعاساً يُغْمدُهُ
فيُريقُ دمَ العشّاقِ به
والويلُ لمن يتقلّدهُ
كلّا لا ذنْبَ لمن قَتَلَتْ
عيناه ولم تَقتُلْ يدهُ
يا من جَحَدتْ عيناه دمِي
وعلى خدَّيْه توَرُّدهُ
خدّاكَ قد اِعْتَرَفا بدمِي 
فعلامَ جفونُك تجْحَدهُ
إنّي لأُعيذُكَ من قَتْلِي
وأظُنُّك لا تَتَعمَّدهُ...
تحدى الحصري إعاقته وخُلد اسمه في المشهد الأدبي العربي برقة عبارته ومكانته المرموقة في بلاد المغرب الإسلامي والأندلس، وشاع علمه في مختلف الأقطار، وأشاد به العلماء والمؤرخون وأهل الأدب، من ذلك ما قاله ابن بسام: «كان سحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم جماعة.. تهادته ملوك الطوائف تهادي الرياض للنسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©