الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القناعة والتسليم سر السعادة

القناعة والتسليم سر السعادة
2 مايو 2021 01:25

أبوظبي (الاتحاد) 

حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على التعفف والاستغناء عن الخلق بالخالق، والقناعة وترك المسألة، والرضا بما قسمه الله، أن تنظر إلى من هو دونك، لتكن أغنى الناس، وقد كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أكثر الناس قناعة وأرضى الناس بالقليل، وأقواهم بالله ثقة وإيماناً ويقيناً، وأصلحهم قلباً، وأنداهم يداً، وأسخاهم نفساً؛ حتى كان -عليه الصلاة والسلام- يفرق المال العظيم ويوزعه ثم يبيت طاوياً من الجوع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدّخِرَهُ عَنْكُمْ».
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ». 
ويبين هذا الحديث النبوي الشريف أن الغنى الحقيقي هو غنى القلب، ويحصل ذلك باستغناء النفس؛ وعدم حرصها على الدنيا، فالقناعة أعظم كنز للمرء في الدنيا. لأن المتصف بغنى النفس يكون من الفالحين، فهو قانع بما رزقه الله، شاكراً لأنعم الله، مقدراً تلك العطايا والمنح من الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ»، فالقناعة هي الرضا بالمقسوم، والتعفف وترك المسألة، وكلما تعزز مبدأ الرضا عند المسلم ترسخت القناعة لديه، قال النبي صلى الله عليه وسلم، «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ». 
وتترسخ القناعة لدى العبد كلما نظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ».
 قال ابن جرير: إن الْإِنْسَانُ إِذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا اسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنِ هُوَ دُونَهُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا؛ ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِ، فَشَكَرَهَا، وَتَوَاضَعَ، وَفَعَلَ فِيهِ الْخَيْرَ، ومن ضعف عنده مبدأ الرضا فإنه يتسخَّط ويكثر الشكوى، وإن كان يملك جبالاً من ذهب، ويستطيع الإنسان أن يروض نفسه ويُعَوِّدَهَا القناعة، ويجعلها ترضى بالقليل، ولا تتسخط أو تعترض على ما قسمه لها الخالق -سبحانه-.
 قال أبو ذؤيب الهذلي:
 والَّنْفُس رَاغِبَةٌ إذَا رَغَّبْتَهَا... وإذَا تُرَد إلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ
ومن أغناه الله -تعالى- جعل غناه في قلبه، لأن الغنى الحقيقي هو غنى القلب، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا أَبَا ذَر، أَتَرى كَثْرَة المَالِ هُو الغِنى؟»، قُلتُ: نَعَم يَا رَسولَ الله. قَالَ: «فَتَرَى قِلَّةَ المَالِ هُوَ الفَقرَ»، قُلتُ: نَعَم يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «إِنَّمَا الغِنَى غِنَى القَلبِ والفَقرُ فَقرُ القَلبِ».
وقال صفوان بن أمية -رضي الله عنه-: «لقد أعطاني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- ما أعطاني وإنه لمن أبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ». قال الزهري: «أعطاه يوم حنين مائة من النَّعم ثم مائة ثم مائة».
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- غناهم في قلوبهم، فلم تأسرهم الدنيا، ولم يركنوا إليها، فقد أوصى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ابنه فقال: «يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة؛ فإنها مال لا ينفد»، فالقناعة تحقق السعادة الحقيقية للمسلم، وتجلب له الطمأنينة، وتجعله مستقر النفس هادئ البال، والمسلم لا يسأل الناس تكثراً للمال من غير ضرورة وحاجة مُلِحَّةٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»، وكتب عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَخٍ مِنْ إِخْوَانِهِ: لا تَطْلُبَنَّ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا بِقَوْلٍ وَلا بِفِعْلٍ، أَخَافُ أَنْ تَضُرَّ بِآخِرَتِكَ وَتُزْرِي بِدِينِكَ. 
ويتضح لنا أن الغنى والسعادة الحقيقية محلها القلب، والفقر والشقاوة الحقيقية محلها القلب، وأن من يقنع بما أعطاه الله -تعالى- يكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى، والقناعة تتحقق بالشكر للمنعم سبحانه وتعالى، فمن قنع برزقه شكر الله -عز وجلَّ.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©