انطلقت يوم الأربعاء الماضي الجولة الثالثة من مفاوضات فيينا غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تستهدف عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وذلك من خلال الاتفاق على تحديد العقوبات التي سترفعها إدارة بايدن عن طهران مقابل عودة إيران للتقيد بالتزاماتها بموجب الاتفاق.
وتبدو المسألة في غاية التعقيد بالنظر إلى كثرة هذه العقوبات وتنوعها، وموقف البلدَان بشأنها، فكلاهما يعلن بإصرار أنه ما زال متمسكاً بموقفه في هذا الخصوص، فالولايات المتحدة تؤكد في تصريحاتها العلنية أنها لن ترفع العقوبات ما لم تَعُد إيران إلى التزاماتها المنوطة بها بموجب الاتفاق النووي، فيما تصر إيران من جانبها على ضرورة رفع كافة العقوبات عنها قبل العودة إلى هذه الالتزامات.
ورغم هذه المواقف المعلنة وما يبدو من تشدد من قبل كل طرف، فإن المفاوضات تمضِي قدماً للوصول إلى توافقات بشأن كافة الأمور العالقة، وثمة مؤشرات على اتجاه كلا البلدان للتنازل عن السقف العالي الذي رسماه في البداية، إذ تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة قسمت العقوبات إلى ثلاثة أقسامها: أولها ما يمكن رفعه على الفور، وثانيها ما يتم التفاوض في شأنه، وثالثها ما لن يتم رفعه وهو المتعلق بالحرس الثوري. كما كشفت هذه التقارير أن واشنطن منفتحة بالفعل على تخفيف بعض العقوبات «غير المرتبطة بالاتفاق النووي».
وقد أدركت إيران، في المقابل، أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات كافة مرة واحدة، ومن ثم تحاول أن تحدد أولوياتها في هذا الشأن، حيث تشير تقارير عدة إلى أنها طالبت برفع العقوبات عن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، ورفعها عن القطاعين النفطي والمالي، بحيث تتمكن من بيع النفط في السوق العالمية والعودة إلى نظام سويفت المالي العالمي، وأنها قد تعرض من جانبها تخفيض تخصيب اليورانيوم من نسبة 60% إلى 20% في مرحلة أولى، ثم إلى 3.67%، وهو السقف المنصوص عليه في الاتفاق النووي في مرحلة ثانية. 
ضمن هذه التطورات المصاحبة لمفاوضات فيينا، كان لافتاً حرص واشنطن على إطلاع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تطورات هذه المفاوضات ونتائجها، إذ أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي، قبل توجهه إلى فيينا، أنه أجرى نقاشاً وصفه بـ«الجيد» مع مسؤولين في دول «مجلس التعاون» حول تلك المفاوضات، وهذا أمر مهم، فهذه الدول معنية بصورة أساسية بتطورات هذه المفاوضات ونتائجها، لأنها أكثر المتضررين من السلوكيات الإيرانية وتدخلات طهران السلبية في المنطقة، وهي قضية ينبغي أن تكون على طاولة المفاوضات، بحيث لا تقتصر هذه المفاوضات على البرنامج النووي فقط رغم خطورة أبعاده، بل تشمل أيضاً معالجة سلوكها المزعزع لاستقرار المنطقة، وذلك لتجنب أحد العيوب الأساسية للاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وتعتبر هذه الخطوة الأميركية مهمة بطبيعة الحال لإبقاء دول «مجلس التعاون» على علم بتطورات المفاوضات القائمة، ولكن الأهم من ذلك هو إتاحة المجال لهذه الدول للمشاركة في هذه المفاوضات للتعبير عن مواقفها ورؤاها بشكل مباشر، لأن نتائج هذه المفاوضات ستنعكس عليها بشكل أو بآخر، خاصة بعد أن أثبتت الأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة أن الاتفاق النووي المبرم عام 2015 أخفق في منع إيران من تطوير برنامجها النووي، بعدما اتضح أن لديها القدرة على تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60% لتقترب كثيراً من المستوى المطلوب لامتلاك سلاح نووي. كما أن الاتفاق أخفق في ضبط سلوك إيران المزعزع للاستقرار فرأينا تدخلاتها في العديد من دول المنطقة. فهل يتم تفادي هذه الأخطاء السابقة؟
تريندز للبحوث والاستشارات