الذي يجري بالعراق اليوم غير معقول. ومحور المشكلة يكمن في الاختراق الأجنبي والفساد والنهب وتهريب الأموال للخارج. ومنذ احتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وماتلاه من احتلال إيراني غير مباشر، أستولى على كل مفاصل الدولة وأدارتها ومنافذها، يتعرض العراق إلى محاولات تفكيك ونهب وتهريب وسلب، عبر الفساد الإداري والمالي بشكل مستشري. الأموال والمعادن والمصانع والجسور والآثار مستباح ومعلن وواضح للعيان بلاخوف ولاخجل ولارقابة، وأصبح هناك حيتان مؤدلجة الولاءات وقطط سمان مترهلة، تنهب بسرعة ، بل أصبح بعض الحفاة من طبقة الفقراء في السابق، يملكون أبراجاً مشيدة وقصوراً عالية وعمارات فارهة، وسفناً عملاقة وجزراً مشجرة، لهم في كثير من الدول الأجنبية، أثروا بشكل سريع من العدم، وبعض العوائل العراقية اليوم تعتاش على الفتات وتبحث في حاويات النظافة والزبالة، عن سد الرمق لسد القوت اليومي لأطفالهم، فضلاً عن انتشار الأمراض والأوبئة والبطالة والفوضى العارمة، التي حلت بأبناء الرافدين الغيارى والعراق الغني، الذي كان يوصف بأنه (موطن الفقير)، لما كان يمتلكه العراق من أنهار تجري بالصحراء وأراضي شاسعة ونخيل شامخة موارد طبيعية مذهلة ومتنوعة فضلاً عن البترول الفائض، وثروة حيوانية متعددة لاتعد ولاتحصى، حتى أن قيل في زمن بعيد في الماضي كان مثلاً شائعاً يردد، (أويل أهل نجد لو يدرون، الخبز يعطى البعاريني)، في إشارة إلى المجاعة والفقر والحاجة في الجزيرة العربية في الماضي، قبل توحيدها واستقرارها، وقبل اكتشاف النفط في المنطقة، ويضرب المثل لتلك المرحلة كمثل حي وشاهد وشاخص، لغنى العراق وثروته واقتصاده القوي وماله الوفير وخيرات المتعددة، وكانوا يعلفون الإبل من الخبز، لكثرة القمح ووفرة الزراعة في بلاد الرافدين، التي كانت مقصداً للبشر والماشية.
أما اليوم أصبح المواطن العراقي مهجراً ومطارداً وفقيراً، وأصبح حوالي 5 ملايين عراقي لاجئاً ومغترباً بين الدول العربية والأجنبية وحوال عشرة آلاف مفقود ومغيب ومعتقل.
وأغلب المهجرين والمغتربين هم من فئة الشباب حملة الشهادات العليا والخبرات الفكرية والفنية الطويلة، لما كان يتمتع به العراق بمستوى تعليمي مبهر وعال، أشادت فيه كل الدول المتقدمة والمنظمات العالمية والمؤسسات التعليمية سابقاً.
وقد سجل العراق اليوم بأنه أكثر الدول العربية فساداً وضعفاً في مستوى تعليم، وأكثر الدول خطورة، لفقدان الأمن والأمان وعدم الاستقرار بسبب الفلتان الأمني والفوضى المستمرة، وانتشار الميليشيات الطائفية المسلحة التي تقتل على الهوية.
وتابعت حلقة تلفزيونية على شاشة إحدى الفضائيات العربية قبل عدة أيام، لمسؤول عراقي وهو يصيح ويصرخ ويوجه نداء بأن العراق الآن (يباع بالمزاد العلني)، «من هول وخطورة وفجاعة الفساد المستشري والسرقة والنهب والتهريب والإهمال والتسيب، فيبين المسؤول العراقي بأن الموانئ والشركات والمؤسسات وحقول النفط والمصانع والمعامل، بيعت بسعر بخص لمستثمرين أجانب بأسعار زهيدة، لدرجة أن المسؤول يستنجد ويقول يا(عالم ياناس)، هل يعقل أن مصنع ألبان كاملاً كان يغطي ويغذي العراق كله سابقاً، يباع بعشرة آلاف دولار، لكي يستثمره شخص من الخارج»؟!
ما هذا اللامعقول واللامنطق، الذي يجري بالعراق (العظيم)؟ هل هو تخريب متعمد وممنهج ومقصود، أم أن هؤلاء الذين يستهدفون العراق، لا يعرفون قيمته وتاريخه ومكانته وأهمية دوره. العراق بلد محوري غني بتاريخه وثرواته، وهو مهد للحضارات وموطن الأنبياء، وهو الذي علم العالم الكتابة والقراءة. وسيظل العراق شامخاً رغم العصابات الانتهازية، ومن يقف وراءها ممن يريدون تقطيع هذا البلد إرباً على مرمى ومسمع العالم كله؟!
* كاتب سعودي