الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«آبار زايد» تقضي على الأمراض الطفيلية لدودة غينيا

«آبار زايد» تقضي على الأمراض الطفيلية لدودة غينيا
1 مايو 2021 02:19

شروق عوض (دبي)

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وفي الوقت الذي كان مشروع حفر الآبار «آبار زايد» في أوجه وينتشر من دولة إلى أخرى، أصابت أعراض مرضية غريبة ما يقارب 4 ملايين شخص في مجموعة من دول أفريقيا وبعض الدول الأخرى مثل باكستان واليمن، دول يربط بينها جميعاً معاناة فئة كبيرة من سكانها من عدم القدرة على الحصول على مياه نظيفة.
أعراض تبدأ بظهور بثور ونقاط غريبة على الجلد وبمرور 24 ساعة يشعر المصاب بحرقه شديدة في أطرافه السفلية، وخلال الـ48 ساعة اللاحقة تتحول البثور والنقاط إلى تقرحات كبيره تكشف عن وجود مرض تتسبب فيه دودة غريبة الشكل داخل الجسم، ويعود تاريخ الإصابة بهذه الدودة إلى ما قبل الميلاد، حيث اُكتشفت في ساق الملك الفرعوني الصغير توت عنخ أمون، وسجلت حالات إصابة بها في القرن الثاني الميلادي، ويصل طولها داخل الجسم في بعض الأحيان إلى مترٍ كاملٍ، وتتسبب مع تطورها وخلال أيام قليلة في الإصابة بالتهاب المفاصل الحاد، فتعيق عائلها عن عمله بشكل كامل، وفي أحيان كثيرة تودي بحياة هذا العائل.
وفقاً للدراسات الصحية المتخصصة، ثبت أن الإصابة بهذه الدودة الطفيلية بالغة القدم والمهددة بالانقراض هو شرب مياه غير نظيفة تحمل طفيلياتها متناهية الصغر والتي تكبر وتتحرك في جسم الإنسان بحرية وسرعة لتقضي عليه.
وفي الوقت الذي كان هذا المرض الطفيلي ينمو مدعوماً بوجود مياه الشرب غير النظيفة في العديد من الدول التي تعاني من الفقر، كان مشروع الشيخ زايد لحفر الآبار «آبار زايد» يكافح وجود هذا المرض وانتشاره بشكل غير مباشر من خلال توفير مياه نظيفة ومستدامة لملايين متزايدة من البشر.
50 ألف بئر تمكنت بحسب تقديرات الأمم المتحدة (البئر الواحدة توفر مياهاً لنحو 1000 إلى 2000 شخص يومياً) من توفير الحياة والمياه النظيفة لـ50 إلى 100 مليون شخص.
كل هذا الجهد والنجاح الذي حققه مشروع «آبار زايد» لم يضع حداً لعطاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بل دفعه للتعامل عن قرب مع خطر ذلك المرض الطفيلي المذكور أعلاه والذي كان يفتك في نهاية سبعينيات القرن الماضي بحياة 4 ملايين شخص تقريباً.

مصادر مياه مستدامة
بدأ الشيخ زايد -طيب الله ثراه- حراكه لمكافحة هذه الآفة الطفيلية عبر التعاون بشكل فعّال ومكثّف مع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر ومركزه الإنساني (مركز كارتر)، إذ أصبح أهم داعم ومانح لجهود المركز في مكافحة دودة غينيا خلال ثمانينيات القرن الماضي، وذلك عبر الأبحاث المكثفة التي أشرف عليها مركز كارتر، وتم التوصل إلى أن هذا المرض الطفيلي يمكن استئصاله من دول ومناطق الإصابة عبر مكافحة الفقر، وتوفير المياه النظيفة المستدامة، كما يمكن علاج المصابين به، وكانت هذه بارقة الأمل التي عمل عليها الشيخ زايد، حيث أطلق العديد من المشاريع التي رفعت المستوى المعيشي لملايين البشر من سكان هذه الدول، ومكنتهم من توفير أساسيات الحياة الكريمة وضمنت لهم مصادر مستدامة للمياه النظيفة.
في العام 1986 وعبر التعاون والتنسيق بين مركز كارتر ومنظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، تم تصنيف 17 دولة أفريقية، بالإضافة إلى الهند وباكستان، على أنها بيئات مستوطنة وخصبة لانتشار مرض دودة غينيا، وعبر هذا التصنيف جاءت انطلاقة رحلة عطاء «زايد الخير» للقضاء على هذا المرض.
خلال السنوات المتبقية من عقد الثمانينيات وعقد التسعينيات كاملاً أطلق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، خطة من اتجاهين لمقاومة هذه الآفة، الاتجاه الأول شمل تنفيذ أعداد هائلة من مشاريع توفير المياه النظيفة المستدامة للمناطق المتضررة من دودة غينيا في العديد من الدول مثل جيبوتي وكينيا ومالي وموريتانيا والنيجر وتنزانيا، كما تم حفر آلاف الآبار في باكستان والسودان واليمن.
أما الاتجاه الثاني فكان بالتضامن والعمل المباشر مع مركز كارتر والمؤسسات والمنظمات المتحالفة معه مثل المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية، ومنظمة اليونيسيف، ووزارات الصحة في الدول المتضررة وعشرات المانحين والمنظمات غير الحكومية في علاج المصابين بالمرض وتعزيز قدرتهم في الحصول على مياه آمنة ونظيفة وبحسب وصف الرئيس الأميركي السابق كارتر، لعب الشيخ زايد -طيب الله ثراه- دوراً قيادياً ورئيسياً ومحورياً في هذا التحالف وعزز من قدراته المالية بشكل كبير جداً.

جهود جبارة
تجربة المغفور له الشيخ زايد وجهوده الجبارة ساهمت في القضاء على هذا المرض المنتشر آنذاك في مناطق عديدة حول العالم، وحتى بعد وفاته ساهم ما قدمه في مزيد من مكافحة «دودة» غينيا والقضاء عليها، وبحلول العام 2010 لم يتبق لهذه الآفة الطفيلية سوى جنوب السودان كمعقل أخير لها على مستوى العالم، وعلى الرغم من التحديات الأمنية في هذه المنطقة الأخيرة آنذاك، إلا أن مركز كارتر يتوقع أن يتم استئصال هذا المرض بشكل نهائي من تاريخ البشرية.
ما قدمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لم يقتصر على تنفيذ مشاريع إنمائية فحسب، بل ساهم في الإخلال بدورة حياة هذه الدودة والقضاء عليها عبر تغيير سلوكيات البشر في المناطق المصابة إلى نحو صحي وأكثر إيجابية، فمن خلال حصر المصابين بهذه الآفة وعلاجهم ثم توفير مصادر مياه نظيفة لهم وتسهيل حصولهم عليها، غيّر سكان هذه المناطق من عاداتهم وسلوكياتهم اليومية، فباتوا أكثر نشاطاً وتوظيفاً للمياه العذبة النظيفة في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية.
قد يبدو هذا الإنجاز بسيطاً في الظاهر، لكن في الواقع يعد تحقيق كل هذا أمراً صعباً للغاية، فمن الصعب أن نتمكن من تحويل ملايين البشر من الفقر والمرض إلى الحياة والإنتاج وضمان مستقبل أفضلهم لهم ولأجيالهم المقبلة.
هذه التجربة لم تؤثر في ملايين المستفيدين منها فحسب، بل أثرت في المشاركين فيها وعلى رأسهم الرئيس الأميركي الأسبق كارتر، ففي العام 2001 حينما حصل على جائزة زايد للقيادة، قال: «هذه الجائزة لها أهمية خاصة بالنسبة لي لأنها تحمل اسم صديقي الشخصي والعزيز، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان».

القضاء على الأمراض
لعقود وعقود كانت دول عدة حول العالم تتسابق في التسلح استعداداً لنشوب نزاعات وخلافات، وخلال الفترة بين 1945 و1996 تم إنفاق ما يزيد على 8 تريليونات دولار على سباق التسلح هذا، ما أهدر موارد ضخمة كان من الممكن توجيهها للقضاء على الأمراض التي تفتك بملايين البشر، هذا الخيار الصحيح كان نهج المغفور له، فالعطاء ومساعدة الآخرين على الحياة بشكل كريم كان شغله الشاغل ونهجه الذي غرسه في أبناء دولة الإمارات والمقيمين على أرضها، فكان الشيخ زايد -طيب الله ثراه- ومن بعده دولة الإمارات من أكبر المانحين عالمياً.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©