أعلن الرئيس جو بايدن يوم الأربعاء الماضي انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل، معلناً أن «الوقت قد حان لعودة القوات الأميركية إلى الوطن». وقال «بادين» إن الغرض من إرسال قوات أميركية هو «ضمان عدم استخدام أفغانستان كقاعدة لمهاجمة وطننا مرة أخرى». لكنه مخطئ بشكل خطير في الإشارة إلى أنه لم تعد هناك حاجة للقوات الأميركية في أفغانستان لتحقيق هذا الهدف.
بعد ما يقرب من عقدين، ومع مقتل ما يقرب من 2,500 أميركي، وجرح أكثر من 20,000 آخرين، من المنطقي بالتأكيد التساؤل عن سبب بقاء قواتنا هناك. بصفتي أحد المحاربين القدامى في أفغانستان، فقد طرحت نفس الأسئلة. لكن بالنظر إلى التهديد الإرهابي المستمر وهشاشة الحكومة الأفغانية، فإن الانسحاب المؤكد من شأنه أن يمكّن الإرهابيين، ويدعو إلى حرب أهلية شاملة ويعرض الحكومة الأفغانية للخطر.
يكشف خطاب بايدن عن فجوة مقلقة بين المنطق الذي يوجه خطة الانسحاب والحقائق على أرض الواقع.
أعلن بايدن، «لقد أنجزنا هذا الهدف»، قائلاً إن الولايات المتحدة منعت استخدام أفغانستان من مهاجمة وطننا. في الواقع، ساعدت القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان في إنجاز هذه المهمة على مدى عقدين من الزمن. لكن تصريح بايدن يترك لدى الكثيرين انطباعاً خاطئاً بأن التهديد الإرهابي الدولي في أفغانستان قد انتهى.
لقد تطور التهديد الإرهابي العالمي منذ 11 سبتمبر، لكن المنطقة الأفغانية-الباكستانية ما تزال مرتعاً للجماعات الإرهابية. في ديسمبر، قال مستشار الأمن القومي السابق لترامب «إتش آر ماكماستر» إن المنطقة الأوسع تشمل «أكثر من 20 منظمة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة». وجدت أجهزة الاستخبارات الأميركية، في تقييمها السنوي للتهديدات الصادر في 9 أبريل، أن قادة القاعدة «يواصلون دعواتهم لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وأهداف دولية أخرى، ويسعون إلى دفع المؤامرات في جميع أنحاء العالم».
إذا غادرت القوات الأميركية، فلن نكون على دراية بالأنشطة الإرهابية في المنطقة وسنكون أبطأ وأقل فاعلية في الرد. قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «وليام جي بيرنز» يوم الأربعاء الماضي: «عندما يحين وقت انسحاب الجيش الأميركي، ستقل قدرة الحكومة الأميركية على الإلمام بالتهديدات والتصرف بشأنها».
ومما يعكس التقدير للتهديد المستمر، ورد أن الإدارة تدرس كيفية وضع عناصر مكافحة الإرهاب في البلدان المجاورة، ووضع الأصول الجوية في مكان قريب. ولكن كما قال «جوزيف ماجوي»، وهو أميرال متقاعد، والمدير السابق للمخابرات الوطنية، لصحيفة نيويورك تايمز، «لا بديل عن الوجود هناك». وحذر من أن «فعاليتنا في حماية وطننا ستتضاءل بشكل كبير».
حتى لو تمكنا من اكتشاف هدف إرهابي بقدراتنا الاستخباراتية المحدودة، فإن خبراء مكافحة الإرهاب مثل المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «ديفيد كيلكولين» يقولون إن عدم وجود قواعد عسكرية على مقربة من الأهداف المحتملة سيجعل من الصعب تنفيذ أي ضربات ضرورية لمكافحة الإرهاب والتي -جنباً إلى جنب مع الدعم الدولي لقوات الأمن الأفغانية -كانت ضرورية لإفساح المجال أمام القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى.
كما مكّن هذا الدعم الدولي كابول أيضاً من تحسين قدرة قوات الأمن الأفغانية، التي قاتلت بشجاعة وتحملت العبء الأمني بشكل متزايد. وبينما يقاتل الأفغان لتأمين بلادهم، يستفيد الأميركيون: فقد حُرِم الإرهابيون هناك من الملاذات الآمنة التي يحتاجون إليها لشن هجوم إرهابي دولي كبير آخر.
مع زيادة قدرات الأفغان بمرور الوقت، فقد مكنوا الأميركيين من العودة إلى ديارهم، حيث انخفضت مستويات القوات الأميركية في أفغانستان بشكل كبير من نحو 100,000 قبل عقد من الزمن إلى ما يتراوح بين 2,500 و3,500 اليوم. لكن القوات الأفغانية ما تزال بحاجة إلى المساعدة لمواجهة التهديدات في بلدهم، بما في ذلك التدريب والمساعدة المستمرة المتعلقة بالاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والإخلاء الطبي والدعم الجوي الوثيق.
يدرك قادة «طالبان» هذا، ولذا فهم يتوقون إلى مغادرة الأميركيين. إنهم يعتقدون أن بإمكانهم هزيمة الحكومة الأفغانية بعد انسحاب الجيش الأميركي. وإذا استمر انسحاب بايدن، فستتاح لهم الفرصة قريباً لمحاولة القيام بذلك. وفقا لتقديرات الاستخبارات الأميركية، فإن «طالبان من المرجح أن تحقق مكاسب في ساحة المعركة، وأن الحكومة الأفغانية ستكافح من أجل كبح جماح طالبان إذا سحب التحالف دعمه». وبالمثل، خلصت مجموعة دراسة أفغانستان، في تقريرها إلى الكونجرس في فبراير، إلى أن «سحب القوات الأميركية بشكل غير مسؤول من المرجح أن يؤدي إلى حرب أهلية جديدة في أفغانستان، مما يدعو إلى إعادة تشكيل الجماعات الإرهابية المناهضة للولايات المتحدة والتي يمكن أن تهدد وطننا».
من خلال تحديد موعد لمغادرتنا، بدلاً من محاولة إحراز تقدم، يخاطر بايدن بتكرار الخطأ الذي ارتكبه أوباما عندما انسحب عسكرياً من العراق وفقاً لجدول زمني محدد في نهاية عام 2011. ففي غضون بضع سنوات تدهور الوضع الأمني مما أجبر أوباما على إرسال قوات إلى العراق في 2014 لتدريب ودعم القوات العراقية والكردية التي تقاتل تنظيم داعش. إذا كرر بايدن هذا في أفغانستان، يجب أن يتوقع الأميركيون نتيجة مماثلة. ربما هذا هو السبب في أن «ليون بانيتا» -الذي شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية ووزير الدفاع خلال إدارة أوباما -قدّم هذا التحذير مؤخراً:
ما الذي يجب عمله؟ أولاً، يجب على قادتنا أن يكونوا صرحاء مع الشعب الأميركي بشأن الوضع في أفغانستان.
لم تتفاوض «طالبان» بحسن نية مع الحكومة الأفغانية وسيكون لديها حافز أقل للقيام بذلك بمجرد مغادرة قوات التحالف. لقد انتظروا خروجنا، والآن يمكنهم أن يروا ذلك يؤتي ثماره. رفض قادة «طالبان» الانفصال عن «القاعدة» ومنعها من العمل في أفغانستان -وهو أحد الشروط المنصوص عليها في اتفاق إدارة ترامب مع «طالبان»، الذي دعا القوات الأميركية إلى مغادرة أفغانستان في مايو. ما يزال تنظيم «القاعدة» يتمتع بحماية طالبان -وتستفيد «طالبان» من مشورة «القاعدة» ودعمها المالي.

يجب على الأميركيين إدراك أن هناك خطراً حقيقياً من اندلاع حرب أهلية بمجرد انسحاب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ويمكن أن نرى في النهاية دولة تسيطر عليها «طالبان» وتتأثر بـ«القاعدة» على الحدود مع باكستان المسلحة نووياً. لن تختفي هذه التهديدات بمجرد مغادرتنا. بدلاً من البحث عن المخارج، يجب النظر في وجود عسكري أميركي متواضع في أفغانستان كجزء من الموقف العسكري الأميركي الدائم.
من الواضح أننا يجب أن نضمن دائماً أن أفراد قواتنا لديهم ما يحتاجون إليه للدفاع عن أنفسهم وتنفيذ مهمتهم. وبالتأكيد لا ينبغي أن نبقي أفراد خدمتنا في طريق الأذى لمدة يوم أطول مما تتطلبه مصالح أميركا.

برادلي بومان

مدير بارز في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»