العبر والدروس التاريخية تُعلمنا دائماً أن طريق السلام خير من طريق الحرب وأن نتائج جميع النزاعات والحروب والفتن كان تقود دائما إلى الخراب والدمار، ولكن طريق السلام كانت تأخذ البشرية في معظم الأوقات نحو الأمن، والتنمية، والتطور، والاستقرار. 

مضى الآن أكثر من ستة أشهر على إعلان اتفاق السلام مع إسرائيل وسقطت كل النظريات التي ادعت أن الاتفاق الإبراهيمي موجه لطرف دون آخر، أو أنه اتفاق قد جاء لتجاوز الفلسطينيين والحلول مكانهم وغيرها من النظريات العقيمة التي استهدفت روح الاتفاق، والذي تبين للعالم بأسره أنه اتفاق جاء على أسس واضحة من بينها إيقاف الضم الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، وإيجاد رؤية واضحة لتحقيق المنافع الاقتصادية والتكنولوجية والصحية والزراعية والمائية، وتعزيز الاستقراروالسلام وقيم العيش المشترك في منطقة الشرق الأوسط.
إيران كانت أول من حاول ويحاول الطعن في الاتفاق الإبراهيمي، الذي رأت أنه سيكون المسمار الأول الذي يُدق في نعش المشاريع الإيرانية سواء مشروعها التوسعي الأيديولوجي أو مشروع امتلاك الأسلحة النووية، فلم تتمكن العقلية الإيرانية من استيعاب إمكانية أن تكون جزءاً من الاتفاق لبناء محور إقليمي يضم دول المنطقة، ويدعو للسلام والتعايش والمؤاخاة بين الشعوب. 
الجميع يعلم أن منح إيران الفرصة للعودة للاتفاق النووي دون ضوابط ومعايير تضمن امتثالها الكلي لأمن المنطقة بالتوقف عن التدخل في شؤون الآخرين، وتحريك ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتهديد أمن السعودية والترويج للمشروع الإيراني الأيديولوجي، لن يمنح إيران شريان حياة للعودة للنشاط الإرهابي فحسب، بل سيمنحها تصريح شامل بتهديد أمن المنطقة، وتهديد فرص السلام الحقيقية، التي وفرها الاتفاق الإبراهيمي.
من المستغرب أن الجهود الدولية الحالية التي تستجدي إيران للعودة للاتفاق النووي لا ترى سوى ذلك «التوقيع»، الذي قد يجعل إيران تتحول إلى «دولة مسالمة» في ليلة وضحاها، ولا ترى تلك الدول حجم الاستنزاف الذي حل بالمنطقة نتيجة الفكر والخطط الإيرانية الظلامية الكثيرة ولا كيف سيكون عليه مستقبل أجيال وشعوب المنطقة والعالم أيضا فيما لو تُركت تلك الخطط والمشاريع دون ضبط ودون اتفاقيات دولية موازية تمنع إيران من تمويل الميليشيات ك«حزب الله» و«الحوثي» وغيرها.
من جانب آخر، فإن الشواهد التي وضحتها الوقائع والأحداث خلال الستة أشهر الماضية ومنها دعوة الإمارات والأردن ومصر الى أن تتحمل إسرائيل مسؤوليتها لخفض التصعيد في القدس ووقف جميع الاعتداءات والإجراءات الاستفزازية وغيرها من الشواهد الكثيرة، تؤكد المساعي الحثيثة الإماراتية التي تؤمن بأهمية الحلول السلمية للنزاعات عن طريق تسريع جهود السلام في المنطقة، والدفع باتجاه عودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وفتح آفاق التطور التي يقوم عليها الاتفاق الإبراهيمي لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي بشكل نهائي.
صحيح أن القرار الاستراتيجي لتوقيع اتفاقيات السلام قد تم اتخاذه بناء على ما يحقق مصالح الإمارات، لكنه في الوقت ذاته وضع الأهداف والمصالح العربية والإقليمية جميعاً بعين الاعتبار، وعلى رأسها نجاح معاهدة السلام وتحويلها إلى مخرجات ملموسة بـ«حل الدولتين» وتأمين الاستقرار والرخاء في منطقة الشرق الأوسط.
لذلك، فإن الإمارات والبحرين والدول التي يمكنها الانضمام لاتفاقيات السلام قريباً لا تقدّم بديلاً عن الفلسطينيين، بل هي جهود ومسارات تبذل أقصى طاقتها لتسهيل عودة الفلسطينيين للمفاوضات المباشرة والاستفادة من الزخم الذي أنشأه الاتفاق الإبراهيمي للوصول إلى «حل الدولتين»، وإيجاد الآليات التي تجمع دول المنطقة كلها في محور واحد إقليمي يستأصل الإرهاب من جذوره ويقضي على الخطط التي وُضعت للهيمنة على الإقليم ويفتح باباً واسعاً للتنمية والتطور البشري والعلمي لجميع شعوب المنقطة.
الإمارات، تحمل لواء الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لأنها تحمل مشعل التسامح، ونذكر ما قاله «برايان هوك»، المستشار الخاص للرئيس الأميركي السابق حول اتفاق إبراهيم للسلام «إن مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حمل مشعل التسامح، وسار أبناؤه من بعده على نهج التسامح، وإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان له الدور المركزي في تحقيق هذا الإنجاز الاستراتيجي المتمثل في الاتفاق الإبراهيمي» وأن «المنطقة محظوظة بوجود قائد عظيم وصاحب رؤية مثل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان».