إننا جميعاً مدينون لفرح نابلسي بدين كبير من العرفان. ففي فيلم يمتد 24 دقيقة فقط بعنوان «الهدية»، تعري نابلسي الغلظة التي يتعرض لها الفلسطينيون من خلال سرد قصة مؤثرة للغاية عن أسرة فلسطينية. والشيق بشكل خاص في الأمر أنه بعد فوز الفيلم بجوائز في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، تم ترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم روائي قصير. 

وقصة الفيلم بسيطة لكنها تتحدث عن واقع معقد. فهناك رجل فلسطيني يدعى «يوسف» يقضي أحد أيام عطلته. وفي ذاك اليوم، يصطحب يوسف ابنته الصغيرة ياسمين إلى المدينة ليشتري لزوجته «نور» هدية عيد الزواج. وكان ينبغي أن يكون الأمر بسيطاً، لكنه ليس كذلك، لأن للوصول إلى المتاجر يتعين عليهما-الأب وابنته- المرور عبر نقطة تفتيش يديرها الاحتلال. والمحنة التي يتعين عليهم تحملها تصبح لب القصة. ومنذ أن شاهدت لأول مرة المعاملة المهينة وغير الإنسانية التي يُعامل بها الفلسطينيون في نقاط التفتيش، حاولت أن أشرح الأوضاع للجمهور الأمريكي. لكني لن أحاول بعد الآن، لأنه أصبح بمقدوري الآن أن أطلب منهم أن أوجههم لمشاهدة فيلم «الهدية» وكفى. 

وبعد أول خبرة شاهدت فيها نقاط التفتيش، كتبت مقالاً بعنوان «الغضب والخوف». لقد كانت مشاهدة ما يمر به الفلسطينيون صعبة في حد ذاتها. فقد كان هناك فتيات وفتيان إسرائيليون صغار يهينون فلسطينيين أكبر سناً. ووقف هؤلاء الفلسطينيون في طوابير.
كان الإسرائيليون يبدون الغضب لتأكيد سيطرتهم. وفي المقابل، يتظاهر الفلسطينيون بالخوف لأن ليس لديهم سيطرة على حياتهم ويكابدون الإهانة في صمت. لكنهم في الداخل كان يضطرمون غضباً بسبب الإهانة. ورأينا هذا في مواقع أخرى. فهذه هي الطريقة سيئة، وهي الطريقة التي تتصرف بها الشرطة في أميركا في المدن الداخلية. والعواقب في كل الحالات مدمرة. 
المميز للغاية في فيلم «الهدية» هو إنجازه كل هذا في وقت قصير. والفلسطينيون في هذا الفيلم ليسوا كائنات أحادية البعد. فبعد مرور خمس دقائق فقط من زمن الفيلم، نتعاطف مع يوسف ونور وياسمين. فاللمحات الصغيرة والنظرات الدالة توضح الحب الواضح المتبادل بين الشخصيات الثلاثة. ولأن الصورة المرسومة لهذه الأسرة الفلسطينية حقيقية، فإن المرء يكترث لهم ويريدهم أن يجدوا السعادة. وبعيداً عن القصة جيدة النسج التي تتكشف في الفيلم، فهذا التعاطف مع الشخصيات واحد من أهم مساهمات الفيلم. 
فقد تم اختزال الفلسطينيين في الغرب إلى أشياء أو «مشكلة يتعين حلها»، حتى يستطيع الإسرائيليون العيش في أمن وسلام، ولهذا فإن الارتقاء بإنسانية الفلسطينيين يعتبر عملاً ثورياً. الواقع أن فيلم «الهدية» يقلب المعادلة التي وضعها ودعمها القائمون بالعلاقات العامة كي يسوغوا تصرفات الاحتلال.
والقصة قوية وأيضاً نهايتها الدرامية ثرية أيضا بالمعنى والرسالة التي تنقلها. ولن أسرد القصة عليكم لأنني أريد أن يتعرف القارئ عليها بنفسه. وحين يشاهد القارئ الفيلم عليه أن يتذكر درسا تعلمته من أحد أساتذتي وهو دان بيريجان، الكاهن الجيزويت الناشط. فقد أخبرني بيريجان أنه في عالم الجنون هذا الشبيه بكابوسية عوالم الكاتب الروائي فرانتس كافكا، فمجرد القدرة على تأكيد حقيقة بسيطة مثل «2+2=4» يصبح عملاً ثورياً. وفي فيلم «الهدية»، ياسمين هي من يؤكد الحقيقة البسيطة- أي تقوم هنا بالعمل الثوري. 

قدمت لنا فرح نابلسي لنا «هدية» حقاً. فأثناء مشاهدة «الهدية» ينتاب المشاهد تيار من المشاعر يمتد من التعاطف والغضب والخوف والحزن إلى البهجة. أرجوكم شاهدوا الفيلم واشكروا نابلسي على الهدية الثمينة التي قدمتها لنا، وشجعوها إلى حين فوزها بالأوسكار في 25 أبريل المقبل. وأدعوكم هنا إلى الانضمام على الانترنت إلى مناقشة مع نابلسي في الخامس من مايو، الساعة الثانية بعد الظهر، بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة.