تعمل روزي أوريلي الكندية ممرضة في بلدة كانت تحتضن مناجم ذهب في السابق بمنطقة كولومبيا البريطانية، بعيدا عن المدن والموارد الطبية وحتى عن خدمة الهاتف الخليوي. وهذا يعني أن «أوريلي» كثيرا ما تتعامل مع حالات طوارئ طبية بمفردها – في إطار صفقة العمل في «آتلن»، التي تُعد أقرب إلى مدينة آنكريدج (في ألاسكا) منها إلى فانكوفر. 

وبعيدا جدا إلى الجنوب، على الجانب الآخر من خط الاستواء في البرازيل، توجد محطة التمريض حيث تشعر «دليسيلين كوروايا» بالوحدة أيضا، وتواصل العمل في الظلام بعد غروب الشمس بسبب غياب الكهرباء. إنها تعمل في منطقة «غابيروتو» الأمازونية التقليدية، حيث الكثير من المنازل مرفوعة على ركائز خشبية على طول ضفة نهر جينغو. 
غير أنه على مدى العام الماضي، شهدت السيدتان تحولات دراماتيكية في وضعيهما. فنظرا لحكم الضرورة الذي فرضه الوباء، عرف تقديم الرعاية الصحية تحولا تكنولوجيا سريعا. 
وتقول «أوريلي» في هذا الصدد إن منصة جديدة تربط منطقتها بأطباء اختصاصيين عبر إقليمها شكّلت تحولا جذرياً– ويمكن أن تساهم في تحقيق المساواة بالنسبة للمناطق الريفية. ومن جانبها، باتت بمقدور «كوروايا» الآن اللجوء إلى أطباء في ساوباولو من أجل التوجيه والإرشاد، بفضل برنامج غير حكومي طُبق بعد أن سنّت البرازيل قوانين جديدة ترخص للتطبيب عن بعد. 
وتقول أوريلي «لدينا فرصة للنظر إلى الأشياء تحت ضوء مختلف بسبب الجائحة»، مضيفة «فقط لأننا نعيش في منطقة ريفية نائية لا يعني أنه ينبغي أن يكون لدينا وصول أقل (إلى الرعاية الصحية)». 

والواقع أن كلا من كندا والبرازيل معتادتان على انعدام المساواة في تقديم الرعاية الصحية الذي تفرضه الجغرافيا والظروف المناخية. فقد سبق لهما أن جرّبتا طرق تقديم الرعاية الصحية افتراضيا لتقليل المسافات – من المناطق القطبية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالطائرة إلى مناطق الغابات الكثيفة التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر القارب. ولكن الجائحة أدت إلى بلورة التطبيب عن بعد. والتحدي الآن، كما يقول الأشخاص الذين يوجدون على الخطوط الأمامية للرعاية الصحية، يكمن في ضمان عدم تكرار العراقيل الجغرافية والاجتماعية الاقتصادية، والثقافية، واللغوية بشكل غير مقصود في نموذج افتراضي. 
ويقول «د. إيوان أفليك»، وهو طبيب في يلونايف في «نورثْويِست تيريتوريز»، ترأس فريق عمل «الرابطة الطبية الكندية» حول الرعاية الافتراضية ويعمل الآن مع وزارة الصحة الكندية من أجل تطوير معايير بخصوص رعاية صحية افتراضية ذات جودة: «لقد أظهر الوباء عبر العالم كله الفائدة التي تقترحها الرعاية الافتراضية، وهي تتجاوز الأزمات الصحية العامة»، مضيفا «غير أن الرعاية الصحية الافتراضية يمكن أن تفاقم انعدام المساواة إذا لم نتوخ الحذر».
وبينما تزداد الصحة الافتراضية انتشارا، يدعو أطباء خواص وهيئات وطنية وإقليمية إلى معايير وإجراءات محددة تضمن عدم تهميش المواطنين المسنين الذين ليست لديهم دراية بالتكنولوجيا أو المناطق التي لا توجد فيها شبكة الإنترنت. وفي هذا السياق، دعت «منظمة الصحة للدول الأميركية»، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة يوجد مقرها في واشنطن، وزراء الصحة ومسؤوليها مؤخرا إلى تبني معايير «لا تهمّش أحدا». 

في كندا، تمثّل المساحة الشاسعة للبلاد عاملا أساسيا: ذلك أن 90 في المائة من السكان يعيشون ضمن مسافة 100 ميل (160 كيلومترا) من الحدود الأميركية؛ والبقية موزعون عبر مسافة الـ2700 ميل (4345 كيلومترا) إلى طرف القطب الشمالي. 

د. جون باولوفيتش، طبيب أسرة يساعد في دعم 13 منطقة للسكان الأصليين في شمال منطقة كولومبيا البريطانية ووسطها. وهو يعمل على تطوير نماذج الرعاية الصحية عن بعد منذ عقد من الزمن؛ ومن خلال اشتغاله مع «مركز التنسيق الريفي» التابع للإقليم، ساهم في تطوير منصة «الدعم الافتراضي في الزمن الحقيقي» التي تعتمد عليها «أوريلي» في آتلن. 
ويقول باولوفيتش: «إن النموذج التاريخي بالنسبة لكثير من مناطق السكان الأصليين هو النوع المتجول من الرعاية الصحية»، مضيفا «إن مقدم الرعاية الصحية قد يأتي عبر الطائرة ويعود عبر الطائرة، وقد يأتي عبر القارب ويعود عبر القارب، وقد يأتي على متن السيارة ويعود على متنها؛ ولكن بعد ذلك عندما ينسحب من المنطقة، تصبح هناك هذه الفجوات الزمنية الكبيرة التي لا يقدّم فيها أحد الرعاية الصحية». 

وتوفّر الرعاية الصحية الافتراضية استمرارية، ليس في الأوساط الريفية فحسب. إذ يقول د. ساشا بهاتيا، رئيس الابتكار الطبي في مستشفى «كوليدج هوسبيتال» الخاص بالنساء في تورونتو، إن الرعاية الصحية عن بعد تسمح أيضا للعمال ذوي الدخل المنخفض في المناطق الحضرية بتلقي مكالمة هاتفية خلال استراحة عمل وتجنب فقدان أجر يوم عمل في حال ذهب العامل إلى عيادة طبيب واضطر للجلوس في قاعة الانتظار. 
وخلال الموجة الأولى من كوفيد 19 في أونتاريو، الذي يُعد أكبر إقليم في كندا، مثّلت الرعاية الصحية الافتراضية 77 في المائة من خدمات العيادات الخارجية المقدمة، وهو ما يمثل ارتفاعا مقارنة مع 1 في المئة خلال الربع الأول من 2020، كما يقول د. بهاتيا. وتشكّل الآن نحو نصف كل الخدمات، وهو المستوى حيث يريدها المستشفى الذي يعمل فيه د. بهاتيا أن تبقى.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»