نحن قريبون من بعضنا البعض، مسافةً وقلباً.. فعراقنا غالٍ على قلوبنا. بهذه العبارات رحَّب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمعالي الدكتور مصطفى الكاظمي رئيس وزراء جمهورية العراق، في جلسة المباحثات الرسمية بينهما في أبوظبي يوم 4 إبريل 2021. وأكد سموه أن «أهل العراق لهم فضل كبير على دولة الإمارات.. فأبناء العراق من الجيل السابق أسهموا في بناء دولة الإمارات..».
وقد بحث الطرفان العلاقات الثنائية وسبل تنميتها، إضافة إلى عدد من القضايا، وفرص التعاون في قطاعات الصحة والطاقة والبنية التحتية والعمل على إقامة المشاريع الحيوية المشتركة وغيرها.. فيما أعلنت الإمارات عزمها استثمار ثلاثة مليارات دولار في العراق. وأكد معالي الدكتور مصطفى الكاظمي: «إننا نحتاج إلى أن يقف إخواننا في دولة الإمارات مع العراق في إعادة بنائه.. فأبواب العراق مفتوحة للإمارات في مجال الاستثمار والصناعة وفي كل المجالات، وهذا الأمر مهم للأمن القومي العراقي وللمنطقة».
وحول الأوضاع في المنطقة، قال إن العراق يبحث عن دور ليكون نقطة التقاء وتكامل في المنطقة التي عانت الكثير من التحديات، والآن هناك فرصة لصناعة الاستقرار فيها من خلال التنمية، مؤكداً أن دولة الإمارات لها دور كبير ورائد في صناعة هذا الاستقرار. كما عبّر عن شكره للإمارات ولدورها في إعادة إعمار المناطق الأثرية في مدينة الموصل، ومساعداتها في مواجهة فيروس كورونا «ومواقفها النبيلة في الحرب على تنظيم داعش».
أكثر من 17 سنة على وجود المليشيات بأنواعها، قامت خلالها الحكومة العراقية بالتصدي لهذه المليشيات الخارجة على القانون، ومؤخراً أبلغ رئيس الوزراء الكاظمي قادة هذه المليشيات أن أي عمل معادٍ للمصالح الأجنبية على أرض العراق سوف يصنَّف كعمل إرهابي. وتتواجد القوات الأميركية في العراق بموجب تفاهمات مع بغداد.
لا يمكن للعراق أن يستقر في ظل قوة موازية للدولة من المليشيات، أو تظل حدوده مفتوحة للجماعات العابرة للحدود، من العراق إلى سوريا ولبنان. وهي الثغرات التي تستغلها «داعش» أيضاً. ويمر العراق اليوم بمرحلة تحدٍ وامتحان للعراقيين للاختيار بين الدولة واللّادولة.
خصوم الوحدة الوطنية العراقية من الأحزاب الطائفية يرون أن الأميركيين يقفون وراء دعم الكاظمي، وهذا الدعم جرى تقديمه لرؤساء حكومات عراقية سابقة أيضاً، مثل المالكي والجعفري والعبادي وعبد المهدي، لكن دون أن يقدموا أي منجز خلال عهودهم التي كان عنوانها الأبرز سيطرة المليشيات.
الدكتور الكاظمي يمثل حالة جديدة في المشهد السياسي العراقي، كونه لا ينتمي لأي حزب، وله صلاحيات دستورية بصفته القائد العام للقوات المسلحة. وهناك دعم شعبي له بسبب الاستياء من سلوك المليشيات. وهو بحاجة إلى كتلة سياسية تسانده وسط الكتل العملاقة التي تواجهه. إن تقوية علاقات العراق بدول الخليج ومصر والأردن هي الضمانة الأكيدة لبناء القوة التي يحتاجها الكاظمي لمواجهة الفساد والمليشيات!
مطلوب من الدول العربية، وخاصة الخليجية، أن تجبر ترددها تجاه العراق منذ عام 2003 حين تركت ساحته خالية للأميركيين الذين دفعوه إلى وضع أصبح فيه عُرضة للتدخلات الإقليمية. وسيمثل الدعم الخليجي رافعةً قويةً لنهوض العراق، وهو ليس دعماً موجهاً ضد أي طرف.
العراق بمكانته المركزية جغرافياً ومواقفه الحالية المعتدلة سياسياً سيكون بالضرورة لصالح أمن الجوار الإقليمي واستقراره. لذلك تؤكد دول الخليج العربي في هذه الحقبة الجديدة على ضرورة إحلال السلام لخلق بيئة آمنة في المنطقة، كي تنعم دولها جميعاً بالازدهار والرفاه دون استثناء.
أهمية العراق أيضاً كونه «البوابة الشرقية للعالم العربي»، وهي تؤكدها مقولة هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق: «من يريد السيطرة على العالم العربي والإسلامي فعليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية، فهي الحلقة الرئيسية فيه».