عندما يسألك شخص ما من أنت؟ تذكر اسمك أو تذكر مهنتك وبلدك والهويات الفرعية الأخرى التي أنت جزء منها. ولكن عندما يسألك من أنت قبل كل ذلك لا تجد إجابة. والجواب هو قبل كذلك كنت أنت الروح والذات الخالدة، وهي غير مرتبطة بواقعك الحالي، وهو جوهر رحلة الصحوة الروحية، حيث إن وعيك وحسك الطاقي كإنسان خلف الجدران الواهية مثل عقلك وقلبك وجسدك، وتلك القشور في الوعي المادي هي رحلة مستمرة في البحث عن الذات، وهنا تبرز أهمية التوازن بين من أنت الآن في هذه اللحظة، ومن كنت قبل أن تكون أنت الآن! فالإنسان في صراع مع النفس، وأنواعها وأهمية تزكيتها. وأما الروح، فهي لا تخضع لمعايير التغلب التي يخوضها الإنسان مع النفس. وبالتالي تحتاج لوعي وإدراك خاص لا يصله الإنسان من خلال حواسه المباشرة. ولابد من أن يرتقي بوعيه إلى مستويات غير مسبوقة، وألا يكون ضحية أنه ابن بيئته ونشأته وجيناته وهي من شكلت شخصيته، وتترك الأثر البليغ في تفكيره وانطلاقته في الحياة، وتلعب دوراً جوهرياً في الخيارات التي يؤول إليها وميوله وهواياته، ومن غير ذلك من المعطيات التي تجعله منحازاً وأسيراً لمجتمع أو فئة، منه أو لجنسية وجنس ودين وفصيل من العرق البشري وطبقه ومبادئ وقيم وفكر وعادات وسلوكيات يرى فيها المثالية.
فالواقع يحتم علينا كمجتمعات بشرية أن هناك صراعاً أزلياً بين قيم الثقافات المختلفة، وأن هناك تصادماً وتنافساً ثقافياً وعقائدياً وإيديولوجياً بين مصالح مجتمع في مقابل مجتمع آخر، حيث تجد في مجتمعات معينة مثلاً طغيان البعد القومي على الدين والمذهب وحتى الأخلاق، وفي مجتمع آخر العكس تماماً وغيره يؤمن بالمادة والمعرفة والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والصناعة، كدين غير مكتوب. وهل من المنطق أن نقول للظالم أن يكون عادلاً وهو مثل قولنا للمجنون أن يكون عاقلاً! فقد ابتكر العقل البشري مصيدة الحق والحقيقة من منظور بشري، وإنْ كان ينسبه لخالق الكون أو مسيرة تفسير حضارة ما لمفاهيم الحق والحقيقة والعدل والفضيلة والضمير، والذي هو موجود افتراضاً في كل كائن بشري، ولكنه يختلف في أحكامه وتوجهاته وفق ما يؤمن به، ويعتبره من المسلمات المطلقة لديه، وهنا لابد من الإشارة إلى أن مستوى التعليم والثقافة ليس معياراً لأن يكون الإنسان متحضراً في فكره وتصرفاته، كما أن الحداثة والمعاصرة والتطور ليس من الضرورة قيمة مضافة لمضمون وجوهر الكائن البشري.
فالصحوة الروحية للإنسان والحياة بصورة عامة في حراك دائم ، وكذلك روح الإنسان وتنقله في مراحل روحية ما بين اليأس والتعاسة والسعادة والإنجازات والخيبات، وكذلك كل تفاعلات الحياة في محاولة منه لفهم ما يدور بداخله كمدخل رئيسي، والمخرج هو الوعي من خلال الممارسات الروحية العميقة. وقد يصل أو لا يصل للوعي أو أحد تجلياته ودرجاته، ناهيك عن الوعي الكامل بالذات. ولا يترقى في مراتب الوعي، ولكن تلك الرحلة بكل مراحلها هي التي يحتاجها الإنسان، إذا ما أراد أن يصل للسلام والتصالح مع الذات ولو بشكل جزئي. وقبل أن يحاول الإنسان أن يكون قدوة ومثالاً للآخر يجب أن يكون قدوة لنفسه في البداية وأن لا تتمحور حياته حول «أنا»، ولكن حول «نحن»، فيستبدل شعار «أنا أعيش من أجل نفسي» بشعار «أنا أعيش من أجل إسعاد الناس وإعمار الأرض»، وبالتالي علاقته بربه وعبادته لخالقه هي ضمن التصالح مع الذات، والهدف ليس الممارسات البدنية بقدر ما هو جهد وممارسة روحية داخلية، تجعل الإنسان يرى الجمال في كل شيء في الكون في واقعه المؤقت. ومعرفة الذات هي رحلة تبدأ عندما يُولد لدينا الفضول للنظر خلف القناع وبالتحديد قناع الأنا الزائفة، ومواجهة مشاعر الخوف عند الإنسان من الماضي والحاضر والتشافي من رهبة المستقبل.