منذ بداية تاريخ الإنسان على الأرض، وهو يبحث عن كل ما يؤدي إلى ذلك الشعور بالأمان، وكان التجمع في مجموعات الوسيلة الأولى للشعور بالأمان. وانطلقت رحلة الإنسان مع بناء المجتمعات، وأصبح لكل مجموعة قوانينها وقيمها المتشابهة وبالتالي ثقافتها التي تختلف عن المجموعات الأخرى. مع التطور والتعقيد الاجتماعي للبشرية، ازدادت الفروقات ما بين الثقافات المختلفة، لكن في النهاية نحن نعيش داخل حدود مكانية وزمانية واحدة، وحركة الأفراد ما بين المجتمعات والدول لم ولن تتوقف. ونشأت علاقات تأثير وتأثر وبالتالي كان لابد من فهم طبيعة العلاقة التي تربط تلك الثقافات. كما بدأت تظهر الإشكاليات المرتبطة بالتنوع الثقافي داخل المجتمع الواحد والعلاقة التي تربط كل تلك الثقافات ببعضها. وبدأت تتفاقم بعض المشاكل وتظهر مفاهيم مثل حقوق الأقليات، الاضطهاد، التعايش، التنوع الثقافي، وغيرها من المفاهيم المصاحبة للتعدد والتنوع الثقافي داخل المجتمع الواحد. وأيضاً كان هناك آليات لعلاج هذه التباينات وخلق علاقة متوازنة بينها مثل التعددية الثقافية والاندماج الثقافي. 
التعددية الثقافية تعني وجود جماعة أو جماعات لها ثقافتها وممارساتها التي تختلف عن الثقافات الأخرى التي تتقاطع معها وأيضاً ثقافة المجتمع الأكبر الذي تعيش فيه، لكنها تمارس ثقافتها بكل طقوسها الحياتية، وتحتفظ بهويتها الثقافية منعزلة مع الاحترام لكافة قوانين الدولة التي تعيش فيها. والسؤال: هل يمكن تحقيق هذه المثالية النظرية في التعايش بين الثقافات في ظل آليات التعددية الثقافية التي تسمح لكل جماعة صغيرة أن تمارس ثقافتها كاملة داخل حدودها دون أزمات تنشأ من الحدود المتداخلة مع الثقافات الأخرى؟ 
الاندماج الثقافي مفهوم تصاعد في المجتمعات متعددة الثقافات كبديل لآلية التعددية الثقافية، والاندماج يعني اندماج أفراد الأقليات الثقافية في الثقافة الأكبر في الدولة أو المجتمع، ومن خلال تفاعل ثقافي قائم على العديد من الآليات كتعلم اللغة الأم للدولة والالتزام بالنظم التعليمية والقانونية والمجتمعية القائمة فيها، مع الحفاظ على مستوى من التواصل مع الثقافة الأصلية، وهذه الآلية على المدى البعيد تُحدث تلاقحاً ثقافياً يدمج بين الثقافات في المجتمع، لكن هذا الدمج سيؤدي إلى الانصهار الثقافي داخل ثقافة واحدة، وهذا الانصهار يدعو الكثير من الأقليات الثقافية إلى التخوف والتمسك بالهوية الثقافية والانعزال ورفض الاندماج. 
والسؤال هنا ..هل يعيدنا ذلك إلى آلية التعددية الثقافية من جديد؟
في الإمارات كان لنا رؤية خاصة تعتمد على طبيعة المجتمع الإماراتي وخصوصية التواجد الثقافي للثقافات الأخرى، حيث يفوق عدد المقيمين من جنسيات أخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة عدد المواطنين، وينتمون لأكثر من 200 جنسية. هنا نجد أن هذا الوضع واقعياً يمثل تهديداً للهوية الإماراتية في حالة اتبعنا مفهوم التعددية الثقافية أو مفهوم الاندماج بشكل مطلق. لذلك لابد من وجود طريقة نضمن بها التعايش مع كل هذه الثقافات المتباينة دون أن نخل بهويتنا وثقافتنا الإماراتية، فكان التعايش بديلاً منطقياً مهماً في الحفاظ على هويتنا وثقافتنا، والتعايش هنا يعني أن تتوافق إرادات مكونات المجتمع على تحقيق السلم والأمان داخل المجتمع، واحترام قوة القانون الذي يخضع له الجميع دون تمييز. وهنا يبرز دور ثقافة التسامح واحترام الآخر، القائم على احترام الاختلاف بين الثقافات المتباينة وحرية الآخر في ممارسة عاداته الثقافية دون التقاطع المتعدي على حدود ثقافات الآخرين. 
هل هذا كافٍ للحفاظ على الهوية الإماراتية متماسكة وتحقيق الأمن الاجتماعي للدولة؟ 
سيظل هذا السؤال قائماً يبحث عن المزيد من الوعي لإدراك المزيد من الإجابات من أجل حماية هويتنا وثقافتنا الإماراتية والحفاظ على الأمن الاجتماعي للإمارات.