لأنهم من الساهرين حتى إشراقة الصباح، فإنهم يطوون عباءات شغبهم، ويندسون تحت الملاءات القطنية مثل أرانب تقتفي أثر الدفء في غرف تصبح في الليل ثلاجات عملاقة، وفي غضون هذا السكون تكون أنت الوحيد الذي تبحث عن فحواك بين الصحائف والكتب، وتنبش في قبور بعضها القديم قدم الدهر، فيحتويك سكون، كما صمت الأشجار بعد سكون الريح.
تحت خيمة السكينة، تتلحف أنت بشرشف تأملاتك وتغوص في عالم يبدو كأنه قيامة الذين تحشرجت وحدتهم بصور، ومشاهد هي غير التي تراها في نهار الضجيج، وزوابع الصغار، ووشوشة الكبار، وبالأخص منهم من لا يليق به إلا أن يكون مثل الذبابات الحائرة، أو مثل عناكب تتسلق حبال الوهم بغية الوصول إلى أهداف خيالية.
أنت هنا في قوقعتك، أنت هنا في محارة السعي، والوعي، أنت هنا في ورطتك اللذيذة، تتسرب في المكان مثل حلم في ليلة رائقة، في ذهن بدائي يجلس على قارعة الأفكار الفطرية.
هنا في نهار رمضان، في قدسيته، ومهاراته في تلون المشاعر بهالة جغرافية مهيبة، لها وقعها الإنساني في حياة كل من عاصر زمن الأحياء الجميلة، هنا أنت تختبئ بين صفحات الكتب، وتغرس عينيك عند هذه العبارة أو تلك الجملة تشعر بحلاوة الأمر، تشعر أنك تمتلك العالم وأنت تمسك بيديك كتاباً شائقاً له مكانته في ترتيب العقل، كما له قدرته في الاستيلاء على القارئ من دون هوامش إرشادية، أو تعاليم مدرسية، هو كتابك الذي تبحث عنه في المكتبات، وفي معارض الكتب، ولكنك دائماً تشكر دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي التي تهديك «الكلمة» موشاة بالمعنى، والأثر الطيب والقيمة الإبداعية عالية السعرات، رفيعة المستوى.
في رمضان تبدو القراءة مثل التنفس من رئة نقية لم يصبها دخان السجائر، تبدو القراءة مثل موجة بارعة في غسل الشواطئ من غبار الأيام. 
القراءة في رمضان ومع الهدوء المشرف، تشعر وكأنك تهيم في واد تملؤه الأزهار، والثمار الحلوة، تبدو القراءة حفلة عرس أنت فيها المتفرج على حفلة عامرة بالوجوه النابضة بالجمال، وحسن الخصال، القراءة في رمضان تعيدك إلى نفسك التي سلبتها حشرجة الطرق، وأزيز الدوران حول النفس من دون هدف، القراءة في رمضان تأخذك إلى عوالم قد لم تصل إليها، إنها مثل سفينة الاستكشاف في فضاءات لم ترها من قبل. القراءة في رمضان لها مذاقها الخاص، ووجها الوضاح، وعطرها الأخاذ.