إذا كانت العديد من الجهات الحكومية بادرت منذ فترة بتخفيض رسوم خدماتها بعد قناعة بأنها تسببت في نتائج غير تلك المتوقعة وبالأخص لجهة استقطاب صغار المستثمرين المحليين، فإن جهات أخرى في القطاع الخاص والبنوك تواصل اختراع وفرض الرسوم تحت مسميات غريبة، والمتعامل معها لا يجد بداً من الإذعان لها والدفع بالتي هي أحسن لاضطراره لخدماتها وعدم وجود بديل يلجأ إليه.
المثال الساطع ما تقوم به البنوك المحلية من رسوم تحت مسميات شتى، لدرجة لا نستغرب معها إن فرضت رسماً على استخدام تطبيقاتها أو دخول مقارها رغم أنها قلصت عدد فروعها وآثرت التوسع في التعامل الرقمي وعبر الخدمات الآلية. قبل أيام تابعت موقفاً لأحد هذه المصارف مع مواطنة لجأت لمصرف تتعامل معه لطلب تقييم عقار، وهي خدمة تتراوح رسومها ما بين ألفين وخمسة آلاف درهم، حسب «ماركة» المصرف والخبير المنتدب الذي بِطلّته -ولو عن بُعد- تقدم لك «الاستشارة الذهبية» وتفرض تلك البنوك سداد الرسم مقدماً عند حجز الموعد. ولكنها ولظرف طارئ طلبت إلغاء الموعد، ففوجئت بأن المبلغ المدفوع غير قابل للاسترجاع، ليبرز السؤال أمام الجميع حول سماح مثل هذه البنوك لنفسها بتحصيل رسم عن خدمة لم تقدمها أصلاً؟ نتفهم استقطاع نسبة ضئيلة منه كنوع من الغرامة، أما أن تستولي على كامل المبلغ، فذلك تصرف لا يعني سوى الجشع واستغلال الطرف الأضعف في الحلقة، وللأسف المصرف يزعم أن ممارساته «تتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية»!! 
السكوت عن مثل هذه الممارسات أغرى جهات أخرى كالشركات الكبيرة لفرض رسوم غير مبررة لزيارة فنييها لمواقع المتعاملين عند حدوث أعطال في الأجهزة المنزلية لديهم، فرسم معاينة ذلك الفني تفوق رسم زيارة طبيب استشاري في عيادته. فتلك الشركات تفرض رسماً لا يقل عن 150 درهماً فقط لزيارة الفني، هذا غير قيمة التصليح، بينما أغلبهم يوصي المتعامل بشراء جهاز جديد لأن تكلفة إصلاح القديم مرتفعة وتكاد تقارب قيمة شراء جديد، في منطق غريب وممارسة تتعارض تماماً مع قواعد ترشيد الاستهلاك الذي تدعو له الجهات المختصة وفي مقدمتها الدوائر الاقتصادية.
لاقت فكرة رسوم «الزيارة والمعاينة» قبولاً لدى مؤسسات «الاتصالات» فتبنت بدورها الفكرة، طالما أنها ستدر دخلاً على حساب المستهلك الذي يجد نفسه وحيداً أمام جبروت مؤسسات كبرى متخندقة خلف كلمات مكتوبة بحروف صغيرة عن «الشروط والأحكام»!