منذ الأزل والناس حائرون، يسألون، كيف تكون كرة القدم الجميلة؟، وما الذي يجعل الأداء الجماعي جميلاً؟، وما الفرق بين أن تلعب كرة قدم جميلة، وبين أن يكون أداؤك جيداً؟
وما يأتي في الغالب من إجابات على سؤال له طبيعة فلسفية، لا يشفي الغليل، فقد تفرق المفكرون والمدربون وخبراء كرة القدم شيعاً، في التعريف بهذا الجمال الذي ينطوي عليه اللعب، ولو أن هناك من يُقرن بين كرة القدم وبين الجمال، فلا يرى بينهما انفصاماً، فإن تلعب كرة القدم، معناه أن تبحث عن المتعة، وبالمتعة يتحقق جمال اللعب.
ونظرية الجمال في كرة القدم تغيرت بتغير أنماط اللعب، فإن يبدع مدرب نسقاً تكتيكياً يستطيع به أن يربح جماعياً نزالات كروية، معناه أنه اقترب من المبنى الجمالي للعبة التي يهيم بها الملايين من الناس شغفاً وحباً، فالانتصارات تقود إلى الألقاب، والألقاب هو ما يخلد في الذاكرة الإنسانية، ولا يستطيع أي فريق أن يتوج بالألقاب، من دون أن يقدم كرة قدم جميلة، جمالها في إبداع الحلول الجماعية، قبل الفردية، وفي إنتاج الكثير من صور الإعجاز الكروي، حيث تنصهر المهارة في بوتقة الصنع والاختراع، لتقدم منظومة لعب هي مفتاح للنجاح، وهي عنوان للجمال أيضاً.
ولا يجب عند تحديدنا للمفاهيم أن نخلط بين كرة القدم الجميلة وكرة القدم «الفرجوية»، فما كان جميلاً في كرة القدم يسعى المدربون لتحقيقه بتوظيف العديد من المفاهيم الراسخة لبناء نمط لعب يروم تحقيق الانتصارات، وما كان فرجوياً يعتبره المدربون فولكلوراً لا يقود بالضرورة إلى ما يسعد الناس ويصنع بهجتهم، أي أن يعطيهم الانتصارات التي هي الغذاء الفعلي لشغفهم.
والحقيقة أن كرة القدم بتعاقب الخطط والمنظومات على مدى عقود من الزمن، ظلت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفكرة الجمال، فمع إبداع كل خطة لعب تكون هناك حاجة لإعطاء الناس ما يمتعهم وما يبهجهم وما يشعرهم بأنهم في حضرة الجمال، صحيح أن أول ما يفكر به المدربون عند اختراع أسلوب لعب، أو عند تحيين أو تجميل منظومة لعب، هو التفوق تكتيكياً على المنافس للإجهاز عليه ولتحقيق الفوز الذي هو غاية اللعب، إلا أن ذلك في كل الأحوال ينطوي على رغبة مضمرة، من أجل الاقتراب أكثر من الجمال، في نسج الأداء الجماعي، وفي الإنتاج الفني والمهاري، وفي الترويض التكتيكي للمنافس، إنه الجمال الذي جعل على الدوام من كرة القدم حالة اجتماعية فريدة من نوعها، أجاد في وصفها شاعرنا الراحل محمود درويش، بقوله: «كرة القدم هي التي حققت المعجزة، خلف الحصار، حين حركت الحركة في شارع حسبناه مات من الخوف، ومن الضجر».. كرة القدم تلك هي الجمال نفسه.