الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الميان».. بيت الخير والمحبة

«الميان».. بيت الخير والمحبة
14 ابريل 2021 00:47

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

كلما تحدثت خديجة صالح الطنيجي عن فريجها، كلما شعرت بأن روح الأمس لا تزال تتجسد حية إلى اليوم، وكأنها تستدعي البهاء الذي غمرها، وتحتفي بالأمكنة القديمة والطفولة البعيدة، حيث جابت بذاكرتها فريج «الميان» في الرمس بإمارة رأس الخيمة وترابه القديم، وأمسياته الصاخبة.
واختفت معالم الفريج القديمة، إلا أنها باقية راسخة في مخيلتها، اندثرت بعض جوانبه، إلا أنها ما زالت حية في الوجدان، مؤكدة أن سعادتها تجسدت في كل ركن وزاوية في فريج بوميان، ما زالت تسمع ضحكات الأطفال وصوت النساء والرجال، أحاديث وقيم ومواقف وقصص وحكايات، ما زالت حاضرة في الوجدان.
نام فريج «الميان» على البحر الصغير الذي يطلق عليه «غليل» وانفتح من الأمام على البحر الكبير، الذي شكل لأهل الفريج المتنفس ومصدر الرزق، توسط بقية الفرجان فكان شريان المكان.. تتحدث عنه وكأنها تستحضر تلك اللحظات، وهي صغيرة تلعب في الفريج وتحفظ سكيكه، وحينما كبرت واشتد عودها دخلت المطبخ لتصبح هي صاحبة البيت بعد زواجها، وتبدأ حياة أخرى أكثر مسؤولية.
وقالت الطنيجي إن الفريج  شكل رئة إمارة رأس الخيمة لقربه من البحر والسوق، وشهد حركة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وكان يسوده تلاحم كبير وتراحم.

تاريخ
عندما جلست خديجة الطنيجي على الأرض تتوسط ديكوراً يستدعي اللحظات الغابرة الحاضرة، حيث يشكل بيتها دعوة للماضي، من راديو وبشتختة، ومرشات، ومداخن..، وما زالت تحتفظ به وتعزه وتحفظه حتى تحفظ معه التاريخ والعادات والتقاليد، ليمثل لها ذلك شاهد إثبات على حياة الأولين، مؤكدة أن هذه الأصناف وغيرها كان يتم تداولها بين الجيران خلال شهر رمضان، حيث كانت تتجسد معاني الرحمة والإخاء.ولفت إلى أن كل أفراد الفريج كانوا يفطرون في مكان واحد، الرجال خارج البيت، بينما النساء والعوائل داخل البيوت، مما يعبر عن تعاون دائم يسود الفريج.وقالت: «من السمات الجميلة، للفريج الكرم، الذي تعبر عنه جملة (الفريج المياني تتداقل فيه الصواني».
وتذكرت الأكلات التقليدية المعروفة التي تنتقل من بيت إلى آخر ومن أسرة إلى أخرى، خصوصاً في شهر رمضان المبارك، بينما يطبخ كل بيت أكلة معينة ويتم تقديمها لرجال الفريج الذين يتناولون فطورهم خارج البيت وسط الفريج، كما أنه إذا مرض أحد أهل الفريج، فإن الجميع يتطوع للعمل على علاجه ورعايته وتدبير ما يحتاج إليه، وهو الحال أيضاً بالنسبة للعوائل المتعففة التي كان أهالي الفريج يقومون بدعمها من دون علم أحد، بينما تدعم نساء الفريج حديثات الزواج بتعليمهن الطبخ والمسؤوليات الجديدة الملقاة على عاتقهن.

قصة الأمس
ما زال صوت «الراديو» حاضراً، وهو يعلن قدوم الشهر الكريم، مؤكدة أن المذياع الكبير، لم يكن يملكه الجميع، وكان يقتصر على ميسوري الحال، وينتظرون قدوم الشهر الكريم من خلاله، وكذلك الأخبار السارة، ضمن حكايات تستحوذ على أحاسيسها، وتجسد معاني الأصالة وعراقة التقاليد، ومن هذه الأغاني التي كان الجميع يسعد بالسماع لها أغاني عبر آلة البشتختة.

بيت واحد
لم تكن هناك فواصل بين الجيران، حيث أشارت الطنيجي إلى أن البيوت كانت مفتوحة  مثل القلوب الطيبة، مؤكدة أن أول من امتلك التلفاز في الفريج، هو عبدالكريم البستاني، مضيفة:«كنا نجتمع في بيته من بداية البث إلى نهايته، وكان البيت يتسع للجميع، وكانت تغمر السعادة الكبار والصغار، حيث كان الفريج بيتاً، لا فوارق بين فقير أو غني، كلنا كنا نعيش سوياً كأننا في بيت واحد وأسرة واحدة».

بيئة محلية
بيوت بسيطة مستوحاة من البيئة المحلية، استغل ناسها ما تجود الطبيعة لإنشائها، فتكونت بيوت فريج «الميان» مبنية من الطوب والحصى، متراصة تحدها سكك ضيقة وممرات، وكانت معظم سقوفها من «المدر» باردة في الصيف ودافئة في الشتاء.

تبادل
من الذكريات التي تعكس الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لأهل الفريج والتي تذكرها الطنيجي، أن سوقاً كان يقام في فريج «بوميان» يقوم على المقايضة في أغلب الأوقات، أغلب رواده من النساء اللواتي كن يأتين بالمنتجات من المزارع لبيعها في الفريج، ومنها الألبان والخضراوات الموسمية، بينما تقايضها نساء الفريج بنوى التمر الذي تأخذه البائعات لاستخدامه أعلافاً للبقر، كما يقايض بمنتجات أخرى تكون النساء في حاجة لها، وفي هذا السوق تخلق علاقات اجتماعية بين المتسوقات والبائعات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©