في التاسع من أبريل 2003، أسقطت دبابة أميركية تمثالاً للرئيس العراقي صدام حسين في ساحة الفردوس بوسط بغداد، في مشهد مهيب أسس لبدء مرحلة جديدة للعراق توالت حلقاتها من الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ما زالت متواصلة حتى اليوم، وتشكلت وتشابكت خلالها علاقة ثلاثية على الساحة العراقية بين واشنطن وطهران وبغداد، وتزامنت ذكرى مرور 18 عاماً على التغيير مع الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية والأولى مع إدارة جو بايدن، وكانت جولتا الحوار الأولى المنعقدتان في الحادي عشر من يونيو 2020، والتاسع عشر من أغسطس 2020، من أجل التوصل لصيغة نهائية لطبيعة العلاقات العراقية الأميركية في عدد من الملفات، على رأسها مستقبل الوجود الأميركي في العراق، لكن كيف ومن سيحسم معادلة التوازنات الدقيقة على الساحة العراقية؟
انتهت الجولة الثالثة، وتم الاتفاق على إعادة تكييف مهام الـ2500 جندي الموجودين على الأراضي العراقية على أن تتحول مهامها من مهام قتالية إلى تدريب ودعم استراتيجي وإسناد لوجستي، والإبقاء على القوات الأميركية فى قواعد عسكرية عراقية، وأن تتولى القوات العراقية تأمين القواعد العسكرية والمقرات الأجنبية فى البلاد، ومنها مجمع السفارات بالمنطقة الخضراء. لقد استمرت الحكومات العراقية المتوالية في إدارة توازنات العلاقات الأميركية- الإيرانية، لكن سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أوجدت وقائع جديدة بعد عملية اغتيال قاسم سليماني، وتصاعد حدة هجمات الميليشيات الشيعية على القوات الأميركية في العراق وتصويت البرلمان العراقي على سحب القوات الأميركية من العراق، ما شكّل في المحصلة ضغوطات هائلة على حكومة الكاظمي لإعادة التوازن الدقيق بين المصالح الأميركية والإيرانية في العراق دون الإطاحة بالحكومة العراقية. إيران من ناحيتها وبعد 18 سنة من الوجود في العراق عبر وكلائها وميليشياتها، ستستمر في ممارسة أقصى وسائل الضغط السياسي والعسكري لإنهاء الوجود العسكري الأميركي من الساحة العراقية، وحسم معركة النفوذ فى العراق لصالح إيران، فكانت زيارة إسماعيل قآني قائد «فيلق القدس» فى الحرس الثوري الإيرانى للعراق عشية إطلاق الجولة الأخيرة، والتي استمرت ليومين التقى خلالها رؤساء الأحزاب والفصائل السياسية المدعومة من إيران، وكان اللافت أن «قآني» لم يلتقِ برئيس الوزراء، أو أي من القيادات الحكومية في هذه الزيارة، على الرغم من إجرائه ثلاثة لقاءات سابقة فى نوفمبر وديسمبر الماضيين، في إشارة قد تُفسر بعدم استجابة الكاظمي للمحاولات الإيرانية للضغط على حكومته للطلب رسمياً من واشنطن الانسحاب من العراق، والاستعاضة عن ذلك بزيادة الضغط العسكري للميليشيات العراقية المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية، فكانت طهران الحاضر الغائب في الحوار الأميركي العراقي.
يُشكل الحوار الاستراتيجي قناة دبلوماسية لتعزيز العلاقات الأميركية العراقية، وتأطير العلاقات المستقبلية للدولتين، وذلك بغض النظر عن مخرجاته الحالية، التي تخضع بشكل كبير لواقع ازدحام الساحة العراقية بالأجندات السياسية، سواء الدولية أو الإقليمية أو حتى الداخلية، وحيث يتوازى الحوار الاستراتيجي مع مباحثات فيينا الخاصة بإحياء «خطة العمل المشتركة» المعروفة بـ«الاتفاق النووي»، مع الاعتبارات الاستراتيجية لمعادلتي النفوذ والاشتباك بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية، والتي تؤكد الأهمية الاستراتيجية لبقاء القوات الأميركية تحت أي صيغة للعراق ولأميركا، بغض النظر عن المصالح الإيرانية أو مطالب وكلائها في العراق.