عدد اليوم
سألتُهُ عمَّا شاهده في رحلتهِ التي استغرقت ستَّة أيَّام في أوروبا، فقال لي: «قطعتُ ستَّة آلاف كيلومتر بين إحدى عشرة دولة، وكانت رحلة جميلة شاهدتُ فيها حوالي عشرين مدينة»، فوضعت كفِّي على رأسي وقلتُ لهُ مجاملاً: أنتَ رحالة كبير! تبارك الله! ليتنا مثلك.
يخطئ البعض عندما يحاول أن يرى (كلَّ شيء) في رحلة واحدة، وتجده يسرع الخطى، ويتسابق لتغطية كلِّ مكان في الجهة التي يزورها، وهناك قاعدة مهمَّة جدّاً في السَّفر «إذا حاولت أن ترى كلَّ شيء فلن ترى شيئاً».
للسَّفر أهداف كثيرة: أهمُّها تغيير المحيط، وإراحة النَّفس، وتعديل المزاج. وهذا لن يتحقَّق للمسافر (المتوتِّر) الذي يحاول أن يملأ يومه بزيارة كلِّ معلم سياحي في وجهته. فتراه متنقِّلاً محتاراً بين الأماكن، حاملاً في ذهنه همَّ الانتهاء من كلِّ معالم المدينة؛ لأنَّه سينطلق في اليوم التَّالي إلى مدينة أخرى محاولاً سبر أغوارها.
ولا أرى متعةً كبيرة في هذا، بل أرى أن يضع السائح أولويَّات لرؤية ما يرغب برؤيته في مدينة أو دولة محددة. عليه زيارة المعالم الأشهر، ثم الأقلِّ شهرة، وليس هناك مانع من أن يرومَ أماكن غير مطروقة.
وأحياناً أرى رحَّالة يسافرون إلى دولة لرؤية معلم واحد فقط، وهو أمر غير مستغرب وجيِّد؛ فالتَّركيز أثناء السَّفر على المكان الَّذي توجد فيه، ومحاولة سبر أغواره واكتشافه بهدوء ورويَّة يتيح لك الاستفادة الكاملة من رحلتك.
وكم يهولني ما أراه أحياناً عندما أتابع بعض المسافرين الذين يصبحون في مدينة، ويمسون في أخرى، ويريدون أن يكتشفوا قارَّة أوروبا بأكملها في عشرة أيَّام. إنَّ هذا لأمر مجحف في حقِّ بعض المدن والدُّول، فهناك دول تحتاج إلى أيَّام وزيارات متكرِّرة لسبر مكنون كنوزها السياحيَّة. مربط الفرس هنا هو الأولويَّات. فعندما تزور مدينة للمرَّة الأولى من المناسب أن تتطلع لرؤية أهمِّ ما فيها وتجعله في جدولك، وتثري زيارتك بالتَّفاصيل والمعلومات. في رحلاتي – خاصَّة العائليَّة – أحرص على الإلمام بالمكان الَّذي أزمع على زيارته، أُشبعه بحثاً قبل السَّفر، وأجعل من معي يستفيد بأقصى قدر ممكن من المعلومات التي تدور حوله. وهذا ما أنصح به الرحَّالة في كلِّ مكان. لا تحاول أن تضيف وجهة – بالاسم – فقط إلى قوائم رحلاتك، بل احرص على أن تكون الزِّيارة متكاملة ممتلئة بالمعرفة، واجعل من معك يستفيد بأقصى قدر ممكن، ويستمتع بما لديك من معلومات. نتفق جميعاً بأنَّ في السَّفر مشقَّةً وتعباً، ولكن من المناسب أن يصاحب هذا التَّعب معرفة وإضافة لمكنونك الثَّقافيِّ والعلميِّ، وأن تخرج بالفائدة أنت ومن معك بعد هذا التَّرحال. وكم من رحلة أثقلت جيب صاحبها! ولم تضف له إلا التَّعب والشَّقاء، وخرج منها كما دخل. وأخيراً، لا تنسَ! «إذا حاولت أن ترى كلَّ شيء فلن ترى شيئاً».
