يحتفل الأردنيون بمرور 100 عام على تأسيس الدولة الأردنية الحديثة وهي مناسبة يشاركهم بها جميع الدول والشعوب التي تُقدّر معنى دولة المؤسسات، والتي نجحت في بنائها القيادة الهاشمية بكل حكمة، وأهم ما بنته في تلك الفترة نظام تعليمي من أفضل الأنظمة في المنطقة، وكذلك نظام صحي وعسكري وأمني يتصف بالمهنية والاحتراف ومؤسسات ثقافية رائدة. ومن أهم ما بنته المملكة بجدارة خلال مسيرتها المئوية هي المؤسسة المعنية بالسياسة الخارجية التي تتسم بفلسفة سياسية معتدلة، لا تقوم على العداء لأي أحد، إنما تسعى دوماً لحفظ مصلحة المملكة الأردنية وشعبها. 
هذا النظام المؤسسي هو الذي جعل المملكة الأردنية الهاشمية تنعم بهذه النجاحات بالرغم من كل التحديات، التي مرت بها وواجهتها ، كالمتعلقة بتداعيات القضية الفلسطينية، وحرب 1948 إضافة إلى نكسة1967 والكثير من المجريات والأحداث الحساسة، لكن مع ذلك استطاعت المملكة الأردنية خلال هذه المسيرة أن تتقدم بثبات في بناء الدولة، رغم الصعوبات الناتجة عن الإمكانيات الاقتصادية المتواضعة، والتي تفاقمت حدتها خاصة بعد أزمة كورونا. 
لا شك أن العامل الاقتصادي من أهم عوامل الاستقرار لأي دولة، وهذا أمر يهم ليس فقط القيادة الأردنية، بل أيضاً كل من هو معني باستقرار المملكة نظراً لأهميتها الجيوسياسية. ولقد لاحظنا أن أغلب القوى المتطرفة والانتهازية، مثل الذين شاهدناهم فيما يسمى بـ«الربيع العربي»، يستغلون الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأي دولة، لكي يمرروا أجنداتهم السياسية. والأردن مرّ بعدة صعوبات اقتصادية خاصة بعد أزمة كورونا، والتي بسببها فقدت الدولة 20% من دخلها من السياحة، والذي أثّر على عدة قطاعات من ضمنها القطاع الصحي. فقد شهدنا الحادثة المؤلمة التي تمثلت في وفاة عدد من المرضى في مستشفى السَلْط بسبب نفاد الأوكسجين والتي تدخل فيها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بنفسه، وزار المستشفى لمحاسبة المسؤولين، كل ذلك كان إثر تداعيات أزمة كورونا، هذا عدا الأعباء الاقتصادية التي تتحملها الأردن بسبب اللاجئين السوريين في الأردن وحماية الحدود، ومن قبل كانت أعباء اللاجئين العراقيين منذ 2003. 
إن دولة الإمارات تدرك أهمية المملكة الأردنية الجيوسياسية ودورها في الحفاظ على الأمن والاستقرار وفي ترسيخ نهج المحور المعتدل في المنطقة، فضلاً عن التوافق والتناغم الكبير في مواقف كلا البلدين تجاه قضايا المنطقة. كما أن دول الاعتدال في المنطقة مدركة تماماً أن الثبات الاقتصادي للأردن عامل أساسي للاستقرار السياسي، لذلك خلال أزمة كورونا سيّرت الإمارات ثلاث طائرات محملة بالمساعدات الطبية بلغت حوالي 39.3 طن من الإمدادات الطبية وأجهزة الفحص والتنفس إلى المملكة الأردنية الهاشمية، استفاد منها 40 ألفاً من العاملين في مجال الرعاية الصحية لمواجهة فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19. 
إن من مصلحة كل الدول المعنية بالحفاظ على دول المؤسسات أن ينعم الأردن بأمنه وازدهاره لأنه عامل مهم في استقرار المنطقة وكذلك عضو مهم في محور الاعتدال العربي.


* باحثة سعودية في الإعلام السياسي