في صورة تعكس الولاء والالتفاف حول الدولة والقيادة، ضرب الأردنيون قيادةً وشعباً مثالاً رائعاً في الهدوء والحكمة والتعامل السريع مع أزمة التآمر التي واجهتها البلاد يوم السبت الماضي (3 أبريل 2021) حين تمت السيطرة على الموقف بسرعة فائقة دون أية إجراءات أمنية مكثفة أو انتشار للجيش أو مظاهرات شعبية تربك المشهد وتعقّد التعاطي مع الأزمة. فالمجتمع الأردني عُرف بأنه في الغالب مجتمع عشائري يدين بالولاء التام للأسرة الهاشمية الحاكمة ويحترم أفرادها ومؤسسيها منذ تسنم الملك عبدالله الأول مقاليد الحكم عام 1946، مروراً بالملك طلال بن عبدالله حتى عهد الملك حسين بن طلال وخليفته في الحكم الملك عبدالله بن حسين بن طلال (عبدالله الثاني). واجه الأردن أزمات عدة منذ نشوء الدولة في منطقة جغرافية عاصفة بالقلاقل والتوترات وعدم الاستقرار، حيث تعامل بحكمة مع الحراك الناصري في الخمسينيات والستينيات، وكذلك مع حراك حزب البعث بفرعيه السوري والعراقي، والمواجهات المسلحة مع فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية في شوارع الأردن خلال ما سمي «أيلول الأسود» عام 1970 التي قتل على إثرها رئيس الوزراء الأردني وصفي التل.

هذا مع العلم بأن الأردن من أكثر الدول التي دفعت ثمناً باهظاً جراء احتلال فلسطين ونزوح الفلسطينيين في موجات متعددة، كانت أكبرها عام 1948، حيث تَقاسَم الحياة والمعيشة مع اللاجئين ليتمازج الشعبان في مجتمع متجانس وأرض وجنسية واحدة. وهذا فضلاً عن حروب العراق الأولى والثانية والثالثة، وعبور أكثر من نصف مليون عراقي إلى الأردن في 2003 إبان الحرب الأميركية ضد نظام صدام حسين آنذاك، والتي امتدت آثارها لسنوات وما يزال الكثير من العراقيين يعيشون في الأردن حتى يومنا هذا. بالإضافة إلى القلاقل في سوريا، وما يتحمّله الأردن جراء ذلك، لاسيما عقب فرار أكثر من مليون سوري إلى أراضيه بعد الاضطرابات التي بدأت عام 2011. ورغم كل ذلك، حافظ الأردن على استقراره السياسي والاجتماعي في انسجام تام بين الشعب والدولة والمجتمعات اللاجئة على أراضيه. ويواجه الأردن تحديات اقتصادية كبرى.

وبالطبع فإن تفشي جائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية التي ألمت بالبلاد ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الأردني لتفاقم الحالة الاقتصادية والمعيشية. كما يواجه الأردن تهديدات أمنية على حدوده مع سوريا، وخطر الجماعات الأصولية داخله، ويقوم بجهود لمحاصرة جماعة «الإخوان المسلمين» المتمثلة في ذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي» وتفكيكهما من خلال سياسة القبضة الناعمة وعبر القضاء الأردني. ما حدث قبل أيام في الأردن، هو انطلاقة لبداية التوجه نحو المحاكمات العادلة تحت مظلة أمن الدولة بحق كل من تآمر أو تواطأ مع جهات خارجية للإخلال بالأمن والسلم في الأردن، عبر إثارة الفوضى وتجييش العامة وتهديد كيان الدولة وشرعية ملكها وولي عهده. وقد تم بالفعل اعتقال كل من شارك في المؤامرة وخطط لها، كما جرى إصدار بيان فوري يكشف المخطط، وذلك بشفافية وشجاعة كانتا محط احترام العالم، لتسارع كبرى الدول إلى تأييد ومساندة الأردن، دولةً وملكاً، من أجل تخطي هذه الهزة ومحاسبة من يقف خلفها، وتحولت المؤامرة إلى مظاهرة دعم وتأييد دوليين واسعين والتفاف شعبي داخلي، قوي ومتماسك، حول الملك عبدالله الثاني والمملكة الأردنية الهاشمية.

*كاتبة سعودية