مرّت سنة منذ أن وصل الوباء إلى الهند، ولعل أغرب شيء حدث لي هو أنني أصبحت بصحة جيدة. فعلى غرار معظم الناس الذين أراهم في الشارع (ولكن ليس كلهم)، كنت حريصاً على ارتداء الكمامة خلال الإثني عشر شهراً الماضية. وكنت أغسل يدي بشكل جيد، وأتحاشى التجمعات والاكتظاظ. ونتيجة لذلك، لم أُصب بزكام طوال السنة، لأول مرة في حياتي. وهذا أمر مذهل. ذلك أن العيش في دلهي، بازدحامها وتغيراتها المناخية الفجائية، عادةً ما يعني أنه محكوم على المرء أن يلتقط كل جرثومة موجودة تقريباً. والواقع أنني لست من عشّاق الكمامات. وفي أيام الصيف الحارة والرطبة في شمال الهند، قد يكون وضع شيء على وجهك خانقاً ولا يطاق. ومع ذلك أجدني آمل في بقاء عادة ارتداء الكمامة هذه عندما ينتهي هذا الوباء. ليس على نحو دائم بالطبع، فذاك قد يكون طلباً مبالغاً فيه، لكن ألن يكون أمراً رائعاً لو بدأ سكان المدن عبر العالم يتصرفون قليلاً مثل سكان شرق آسيا؟ وماذا لو كان الناس، خلال موسم الإنفلونزا، يرتدون كمامات كلّما أرادوا ركوب الطائرة، أو الانضمام إلى حشد من الناس؟ وهل سيحرصون، كلما وجدوا أنفسهم مصابين بالبرد، على ارتداء الكمامة لدى خروجهم من بيوتهم؟ أدركُ أن هذا الحلم قد يكون بعيد المنال، ومن الصعب تحققه في بعض مناطق العالم، لاسيما بالنظر إلى أن هذا القرن شهد ارتفاعاً حاداً في التعصب والاستقطاب، غير أنه حتى وفق تلك المعايير، فإن تحويل ارتداء الكمامة إلى تعبير عن موقف سياسي في الولايات المتحدة وأماكن أخرى كان مروعاً. والأكيد أنه من بين كل الأشياء التي يمكن للمرء أن يقوم بها من أجل وقف انتشار المرض، فبلا شك أن ارتداء الكمامة هو الأسهل على الفهم، غير أنه يبدو كما لو أن جزءاً كاملاً من البشرية قرر أنه من الأدب والمقبول تماماً أن يسعل المرء في وجوه الناس! وفضلاً عن ذلك، فإن السلطات الصحية لم تكن دائماً متفهمة بخصوص هذا الأمر مثلما قد يأمل المرء: فتذكّر أنه في مارس الماضي، كان مسؤولون مثل الدكتور أنثوني فاوتشي يقولون للأميركيين إنه «ليس هناك أي سبب للتجول وأنت ترتدي كمامة»، ولئن غيّروا مواقفهم لاحقاً، فإن إيصال رسائل متضاربة وغير منسجمة ما زال مضراً. وهناك سبب آخر يفسر لماذا مثّلت الكمامات الجانب الإيجابي والمشرق هذا العام، على الأقل في رأيي الشخصي. ففي مارس الماضي، فرض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على بلاده واحداً من الإغلاقات الأكثر صرامةً في العالم. فأُغلقت الأسواق، وتوقفت خدمات التوصيل، ولم يعد أحد يستطيع شراء أي شيء. لكني شعرت بأنني أصبحت غنياً، لأنه بالقرب من باب شقتي في دلهي، كان هناك الكثير من كمامات «إن 95»، ليس لأنني تنبأت بمجيء الوباء فيما يشبه المعجزة (فلو فعلت ذلك، لكنت قمت بالبيع على المكشوف في البورصة، وما كنت اشتريت كمامات). كما أنني لم أكن قد سارعت لشراء الكمامات بكميات كبيرة وتكديسها عندما أُعلن خبر الفيروس. بل إن سبب توافري على كمامات كان بسيطاً: فقد كنت قد اشتريت عدداً كبيراً منها قبل سنوات، ليس خشية الإنفلونزا وإنما لأن التنفس خطير في دلهي. فهذه المدينة الكبيرة هي الأكثر تلوثاً في العالم. وفي عام 2020، كان ثلثا أكثر المدن تلوثاً في العالم توجد في الهند، معظمها يقع في السهول الشمالية المحيطة بدلهي. ولأن نوعية الهواء باتت أسوء بأكثر من 10 مرات مما ينبغي لها أن تكون، فإن الأشخاص العقلاء يرتدون كمامات لحماية رئاتهم. غير أنه خلال المرات القليلة الأولى التي كنت أخرج في دلهي مرتدياً كمامة، شعرت بأنني سخيف. ففي تلك الأيام الهادئة قبل مجيء الوباء، لم يكن أي أحد حولي يرتدي كمامة. وكان الناس يدردشون مع بعضهم بعضاً في الطقس الشتوي المعتدل، مستنشقين الهواء السام الرمادي بشجاعة. وذاك سبب آخر لفرحي في الواقع، لأن الناس تعودوا على ارتداء الكمامات ورؤيتها. ذلك أنه حتى عندما لن يبقى هناك وباء، فإن عدم ارتداء كمامة في دلهي يمكن أن يقتلك! *خبير اقتصادي هندي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»