الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

سكة حديد الموت

سكة حديد الموت
6 ابريل 2021 01:53

لطالما فاحت من الحروب رائحة الدّم والقسوة والموت، وهذه الزّيارة كانت شاهداً على ذلك؛ كنت قد قرأت عمّا يسمّى «سكّة حديد الموت Death Railway» الموجودة في مدينة «كانشانابوريKANCHANABURI» في تايلاند، ودارت العديد من التخيلات في بالي وعقدت العزم على رؤية هذا الطريق المخيف، فكانت هذه الزّيارة لمعرفة المزيد.
 مدينة كانشانابوري تقع على حدود ميانمار، على بُعد 120 كم من بانكوك العاصمة. وهي موطن لجسر فولاذيّ اشتهر في فيلم «الجسر على نهر كواي» الحائز على جائزة الأوسكار عام 1957م.
أمّا قصّة هذه السّكة فخلال الحرب العالميّة الثّانية احتلّ الجيش اليابانيّ الأراضي الّتي امتدّت من سنغافورة حتّى بورما. ولتزويد قوّاته في بورما، والاستعداد للهجوم على القوّات البريطانيّة في الهند أراد الجيش اليابانيّ إنشاء طريق برّيّ لتجنّب الطّرق البحريّة البديلة الّتي كانت تعجّ آنذاك بسفن الحلفاء النّشطة.
ولأنّ خطوط السّكك الحديديّة موجودة بالفعل بين سنغافورة وبانكوك، قرّر اليابانيّون بناء خطّ فرعيّ إضافيّ إلى الغرب من بانكوك، والّذي سيمتدّ بعد ذلك شمالاً إلى بورما.
وبحكم القوّة والتّسلّط سُخِّرَ ما يقارب من 180 إلى 250 ألف عامل لبناء هذا الخطّ، أُحضروا من بورما والصّين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند، هذا بالإضافة إلى أكثر من 60 ألف أسير حرب. كانت ظروف المناخ تضيف القسوة على بيئة العمل اللّاإنسانيّة لإنهاء سكّة الحديد بأسرع وقت، حيث بُني 415 كيلومتراً في 16 شهراً.
ولأنّهم أسرى حرب كانت المعاملة الجافّة والمهينة لهم، وإجبارهم على العمل لساعات طويلة في ظروف غير إنسانيّة مع عدم توفّر الغذاء الكافي والإمدادات الطّبيّة سبباً لسوء حالتهم الصّحيّة، وموت الآلاف بسبب الكوليرا و الملاريا أو الجوع والإرهاق .. وهذا هو سبب التسمية.
لم يُعرف عدد الوفيّات بدقّة، ولكن قدّره المؤرخون بما لا يقلّ عن 90.000 عامل. منهم ما يقارب من 12.000 أسير حرب. وقد دُفن أكثر من 10.000 من الّذين لقوا حتفهم على خطّ السّكك الحديديّة بين تايلاند وبورما في عام 1942م في ثلاث مقابر حرب. اثنتان منها في كانشانابوري، وأخرى في ميانمار. 
بعد الحرب أُصلِح جزء كبير من السّكّة، ولا تزال تستخدم حتّى يومنا هذا لخدمات الرّكاب المحلّيّة بين بانكوك ونهاية الخطّ في نام توك. 
أُغلِق خطّ «سكّة حديد الموت» عام 1947، ولكن أعيد فتح خطّ أقصر بعد 10 سنوات في عام 1957. 
وفي عام 2003 أُنشئ متحف لتخليد الواقعة، كما بُنيَتْ محطّة لسكّة الحديد في المنطقة تربط بين تايلاند و بورما بجانب مقبرة حرب كانشانابوري.
ختاماً، مثّلت لي هذه الرّحلة تجربة عاطفيّة غريبة مختلطة المشاعر، أعطتني انطباعاً عن قسوة الحروب، وما تسبّبه من آلام ومآسٍ، خاصّة عندما يتبنى القويّ مقولة أنّ «القوّة ضروريّة لتقويم الاعوجاج»، ولكنّه ينسى إكمال الجملة بأنّ «الرّحمة هي غاية كلّ قوّة».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©