الأردن دولةٌ مستقرةٌ، ونظامٌ ملكيٌ عريقٌ، ودوره محوريٌ في منطقة الشرق الأوسط منذ عقودٍ، وأي محاولةٍ داخليةٍ أو خارجيةٍ لتهديد استقراره وأمنه هي تهديدٌ لأمن المنطقة والعالم.
تفاجأ الرأي العام الأردني والدولي بنبأ الاعتقالات التي أجراها الجيش الأردني قبل يومين لعدد من الشخصيات ذات المكانة الاعتبارية ومن رجالات الدولة ومن قيادات العشائر، ووعدت الدولة بالشفافية التامة في تناول القضية ونشر نتائج التحقيقات.
محور الاعتدال ودعم «استقرار الدولة» في المنطقة هو المحور الذي أنقذ المنطقة وعدداً من الدول العربية من مخاطر «استقرار الفوضى» وزعزعة الأنظمة السياسية في فتراتٍ سابقة وبخاصة في فترة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، وهو الربيع الإرهابي المشؤوم، والأردن عنصرٌ فاعلٌ ومهمٌ في هذا المحور العربي.
من هنا، بادرت السعودية لإعلان الدعم الكامل للدولة الأردنية والملك عبدالله بن الحسين ومعها مصر والإمارات والبحرين، ثم تلت المواقف من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، كما جاء التأييد الأميركي واضحاً ومقراً بالأهمية الاستراتيجية للدولة الأردنية ونظامها الملكي والدور الإيجابي الذي تلعبه الأردن في الملفات المهمة بالمنطقة.
هذه المواقف السياسية العربية الداعمة للأردن ليست أمراً مفروغاً منه، ولا هي تحصيل حاصلٍ، نعم يمكن التنبؤ بها، ولكنّ ذلك بسبب النهج السياسي الثابت لهذه الدول بدعم «استقرار الدول» ودعمها وتأييد فرض سيادتها على أرضها واستتباب الأمن في ربوعها، إنها خيارات استراتيجية تخدم المصالح العليا لهذه الدول والمصالح المشتركة مع الأردن، بمعنى أنها سياسات ثابتة تنطلق من استراتيجيات راسخة لهذه الدول، وليست موقفاً استثنائياً أو عاطفياً بأي حالٍ من الأحوال.
واجهت الدولة الأردنية منذ تأسيسها تهديداتٍ كبرى وتجاوزتها، وهي بحكم موقعها وحجمها وطبيعة مجتمعها واقتصادها في عملية دائمة للتفتيش عن الأفضل، وكثيراً ما كانت الخيارات المطروحة تتراوح بين الصعب والأصعب، ولكن وعلى الرغم من كل التحديات والصعوبات، فإن «استقرار الدولة» هو الأفضل دائماً لكل الأردنيين، شعباً وقيادةً، لأن الخيارات الأخرى هي الأسوأ على الدوام ونتائجها كارثية لا تتحملها الدولة الأردنية ولا الشعب الأردني.
الدولة الأردنية عامل استقرارٍ مهمٍ في منطقة مضطربةٍ في الأساس وازدادت اضطراباً في العقدين الأخيرين في ملفات كبرى، فهي دولة رائدة في عملية السلام بين العرب وإسرائيل، وفي محاربة الإرهاب، وفي مواجهة المشاريع المعادية للعرب، وبعض العبارات كاشفة عن المواقف السياسية والرؤى الاستراتيجية ومن ذلك المصطلح السياسي المعبّر عن «الهلال الشيعي»، الذي اختصر توصيف استراتيجيات تحاول بسط النفوذ وفرض الهيمنة على بعض الدول العربية.
كيف تستطيع الدولة الأردنية تجاوز هذا التحدّي الجديد؟ ابتداء، هذا شأنٌ أردنيٌ داخليٌ بحتٌ، لا يحق لأحدٍ التدخل فيه بأي حالٍ من الأحوال، والدولة الأردنية ونظامها السياسي قادران على التعامل معه بأفضل الطرق الممكنة، وضغوط التحديات الكبيرة التي تعيشها الأردن تتسبب في ظهور مشكلات لم يحسب لها أحدٌ حساباً، وفي نهاية المطاف وبغض النظر عن الأسماء ومكانتها وتاريخها، فإن أمن الدول واستقرارها هو الأهم، هذا حديث التاريخ وكلام العقل، والتاريخ رائدٌ لا يكذب أهله والعقل حاكمٌ لا يخطئ، وفي تجارب الدول على طول التاريخ وعرض الجغرافيا ما يجعل هذا الأمر محل إجماعٍ.
من استوعبوا درس ما كان يعرف بالربيع العربي ونظروا في الدول التي طالتها نيران ذلك الربيع المشؤوم والمصير الأسود والنتائج الكارثية له، يعرفون جيداً أن المنطقة أبعد ما تكون عن الحاجة لدولة جديدةٍ تسودها الفوضى ويعيث فيها الخراب.
أخيراً، حفظ الله الأردن شعباً وقيادةً من أي أزماتٍ أو اضطراباتٍ تؤثر على استقراره وأمنه.