منذ اندلاع أزمة جائحة «كوفيد-19» أواخر عام 2019 وبداية عام 2020، ظهرت الحاجة الماسة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه الجائحة ومحاصرتها، ومنع انتشارها والحد من مخاطرها التي طالت جميع أوجه الحياة البشرية، بيد أن التعاون الدولي في مواجهة الجائحة لم يكن في المستوى المطلوب مع تبادل الاتهامات حول نشأة هذا الوباء وغياب التوافق حول كيفية مواجهته، الأمر الذي ساهم، ضمن عوامل أخرى، في تفاقم خطر هذه الجائحة وانتشارها عالمياً.
وقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً نوعاً ما حتى أدركت الدول والشركات الكبرى أهمية تطوير التعاون والشراكة في ما بينها لمواجهة هذا التحدي الإنساني غير المسبوق، وتمثل ذلك بشكل واضح في التعاون الذي تم بين بعض الشركات الدولية وبينها وبين بعض الحكومات لتطوير لقاحات مضادة لفيروس كورونا المستجد. ورغم أن هذا التعاون لم يرقَ إلى المستوى المطلوب مع اتجاه بعض الشركات وحتى الحكومات، في إطار التنافس في ما بينها على جني الأرباح وتحقيق الريادة العالمية، إلى التشكيك في جهود بعضها البعض وفي كفاءة اللقاحات المنتجة، إلا أن هذا التعاون أثمر في بعض الحالات عن شراكات مميزة خدمت البشرية من خلال نجاحها في تطوير بعض هذه اللقاحات الفاعلة.
ومن هذه الشراكات الناجحة، الشراكة الإماراتية – الصينية في مواجهة كوفيد-19، والتي توِّجت بإعلان «الشراكة الاستراتيجية من أجل الإنسانية» التي أعلن عنها الأسبوع الماضي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومعالي وانغ يي مستشار الدولة وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية. وتضمن هذا الإعلان التدشين الرسمي للمشروع المشترك: «علوم الحياة وتصنيع اللقاحات في دولة الإمارات العربية المتحدة» بين مجموعة «جي 42» الإماراتية ومجموعة سينوفارم CNBG الصينية، وإطلاق أول خط إنتاج وتصنيع لقاح لـ «كوفيد-19» في دولة الإمارات.

ولن تقتصر فوائد هذا المشروع المهم الذي توج الشراكة الإماراتية – الصينية في مواجهة جائحة «كوفيد-19» على البلدين فقط، وإنما ستمتد إلى باقي دول العالم، لأنه يعزز الجهود العالمية الرامية إلى توفير اللقاحات التي تحتاجها دول العالم، ولا سيما النامية منها، لتطعيم شعوبها تمهيداً للقضاء نهائياً على هذا الوباء؛ وهو أمر بالغ الأهمية في ظل النقص الحالي في عدد اللقاحات المطلوب لتلبية احتياجات جميع دول العالم وشعوبها، خاصة أن الطاقة الإنتاجية المقدرة للمصنع الجديد المخصص لإنتاج اللقاح الذي سيتم تدشينه في مدينة خليفة الصناعية العام الحالي تبلغ 200 مليون جرعة سنوياً، وهي كافية لسد حاجة عدة دول.
إن العالم بحاجة إلى التضامن والتعاون وتطوير شراكات فاعلة لخدمة الإنسانية، ولا سيما مع تنامي التحديات والمخاطر التي تواجهها البشرية كلها، والتي أثبتت جائحة «كوفيد-19» أنه لا يمكن لأي دولة، مهما بلغت من قوة ومن تطور تكنولوجي وعلمي، أن تواجهها بمفردها. ويمثل إعلان «الشراكة الاستراتيجية من أجل الإنسانية» الذي دشنته الإمارات والصين الأسبوع الماضي نموذجاً مهما يمكن الاقتداء به لبناء شراكات فاعلة من أجل مستقبل الإنسانية وازدهارها. 

مركز تريندز للبحوث والاستشارات