يكاد يجمع كل الكتّاب الكبار على أن سر المهنة الأول في تفوقهم وغزارة إنتاجهم الأدبي والفكري يكمن في إدارة وقت الإبداع عن طريق تخصيص وقت ومكانٍ للكتابة يومياً. بعض المحترفين المتفرغين في الغرب، يخصصون فترة الصباح للكتابة والقراءة والعمل على مشاريع كبرى روائية وفكرية، ثم يستمتعون بقضاء بقية ساعات اليوم في أمور حياتية أخرى. وفي تلك الجلسات الطويلة تصبح القراءة والكتابة شيئاً واحداً، وقد تُضاف بعض الطقوس أيضاً مثل نوعية الورق والأقلام أو الآلة الطابعة، وصولاً إلى مناخ الغرفة وطاولتها وكراسيها. 
وهناك أكثر من كاتب عالمي شرح طقوسه في الكتابة بتفاصيلها كافة، من بينهم الروائي غابرييل غارسيا ماركيز في كتابه «رائحة الجوافة». حيث كان يرتدي بدلة ميكانيكي ويبدأ من السادسة صباحاً، وهيمنجواي الذي كان يكتب في الفترة المسائية، ثم انتقل للفترة الصباحية وكان يكتب واقفاً. لكن كتاباً آخرين كانوا موظفين في الفترات الصباحية ولساعات طويلة، ومع ذلك لم يوقفهم هذا الالتزام عن تخصيص أوقات وساعات يومياً لإنجاز إبداعاتهم، منهم نجيب محفوظ الذي ظل موظفاً لنحو 37 عاماً، لكنه لم يترك الكتابة يوماً واحداً، وهؤلاء إنما نظروا إلى الأدب باعتباره واجباً، وإلى الكتابة كأسلوب حياة. وأدركوا في العمق أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن العمل الدؤوب لسنوات طويلة هو الذي يروي شجرة الكتابة ويجعل أغصانها وارفة. 
ما يهم هنا، ليس وقت الكتابة فقط، وإنما ما يحدث في تلك الخلوات، حين يستحضر الأديب روح الكتابة ومزاجها وشواردها. وهي عملية خلاّقة في حرفة التعامل مع اللغة باعتبارها تحمل طاقة توليدية لا نهائية من الأساليب والأنماط والاشتقاقات القادرة على بعث الدهشة. ولذة الكاتب أنه أوّل من يكتشف هذه العوالم ويراها تتجسد على الورق، وفي ظني هي أعظم لذّة في عملية الكتابة كلها.
الخوض في طريق الأدب سهلٌ، لكن الاستمرار فيه حتى النهاية لا يقدر عليه إلا القلة. لذلك تجد آلاف الكتاب يتوقفون بعد أوّل أو ثاني إصدار. أذكر كان لدينا في الإمارات في منتصف الثمانينيات نحو 40 صوتاً أدبياً ما بين الشعر والقصة القصيرة. لكن لم يستمر من ذلك الجيل سوى عدد قليل، حيث توقف جلّهم قبل منتصف الطريق. وأراقب حالياً الأسماء الجديدة الشابة وأراهم بالمئات، وأتمنى لو يكمل نصفهم، نصف الطريق.