تشكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ركناً مهماً في النظام العالمي الحديث، إذ تؤطِّر التعاون الدولي، وتضع قواعد لحقوق والتزامات الأمم والشعوب. وتشمل هذه الاتفاقيات مدى واسعاً ومجالات متعددة، بداية من منع الأسلحة النووية، ومروراً بحقوق الإنسان والمرأة والطفل، ونهاية بالحفاظ على التنوع البيئي وحماية البيئات الطبيعية، وغيرها الكثير، بشكل يجعل من الصعب حصرها جميعاً في مقال واحد.
هذا المفهوم الأساسي في العلاقات الدولية، أصبح البعض يطمح لتطبيقه في مجال الصحة الدولية، وبالتحديد في مواجهة الأوبئة العالمية، مثل وباء «كورونا» الحالي. فمن بين الدروس الكثيرة المستفادة من هذا الوباء، ضرورة تضافر الجهود الدولية في مواجهة الأوبئة، ولتجنب الصراع الحادث حالياً بين الدول الغنية على المتوفِّر من جرعات التطعيمات، وعجز الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل عن الحصول حتى ولو على بضع مئات فقط من تلك الجرعات، لحماية أفراد الطواقم الطبية والصحية، وبقية العاملين في الخطوط الأمامية.
ومؤخراً، وبالتحديد بداية هذا الأسبوع، تجسّد هذه الإدراك المتزايد بأهمية التعاون الدولي في مواجهة الأوبئة عبر اتفاقيات ومعاهدات دولية، من خلال قيام أكثر من 24 من زعماء وقادة العالم، بما في ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بالدعوة والمطالبة بضرورة مأسسة وتأطير التعاون الدولي ضد الأوبئة والأمراض المعدية مستقبلاً. وجاءت هذه الدعوة من خلال مقالات صحفية، نشرت في بعض من أهم وأكبر الصحف ووسائل الإعلام، بما في ذلك «ديلي تليجراف» البريطانية و«لوموند» الفرنسية و«البايس» الإسبانية.
وطَرح هؤلاء الزعماء مقارنةً للوضع العالمي الحالي، وفداحة الخسائر الاقتصادية، والتبعات الاجتماعية لوباء «كورونا»، بالوضع العالمي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلّفته حربان عالميتان متعاقبتان من خراب ودمار على الغالبية العظمى من الشعوب والمجتمعات البشرية.
وكما حدث حينها، عندما اجتمعت إرادة زعماء العالم ومن خلفهم شعوبهم، على أن الطريق للخروج من الوضع الحالي، والسير على طريق الآمن والسلام والرفاهية الاقتصادية، لا بد أن يبنى على أسس من التعاون بين جميع دول العالم، في إطار من المعاهدات والاتفاقيات الدولية. هذه الفلسفة، وبقية الدروس المستفادة من وباء «كورونا» الحالي، ستضع أفراد الجنس البشري في موقف أفضل مستقبلاً على صعيد التنبؤ بالأوبئة، واكتشافها مبكراً، ومواجهتها واحتوائها بشكل أكثر فعالية، ضمن إطار من التعاون الدولي تحدده معاهدات واتفاقيات دولية.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية